مقال رئيس التحرير
هواء طلق
كيف يمكن لحكومة العريض أن ترفع التحدي ؟
بقلم : محمود الحرشاني*
قدر بعض الرجال أن تضعهم المصادقة، أمام تحديات كبرى يتوقف نجاحهم على رفعها، وألا يكون الفشل في مهامهم مصيرهم المحتوم، فيمضون غير آسفين على رحيلهم، فأي حظوظ نجاح لحكومة السيد علي العريض، وهي تسلم المسؤولية والأمانة في أوضاع صعبة وبالغة الخطورة تمر بها تونس، وطرحنا للسؤال ليس من باب التشكيك في قدرة الرجل وحده والرجال الذين اختارهم لفريقه معه.
إن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه تونس حاليا والوضع السياسي والأمني البالغ التعقيد لا يفتح نافذة الأمل على مصراعيها في تجاوز هذا الوضع بسهولة واهم تحد ستواجهه حكومة السيد علي العريض في اعتقادي هو إعادة الأمور الأمنية إلى نصابها لأن التونسي اليوم فقد الشعور بالأمن والأمان، وتعطلت تبعا لذلك كل مصالحه وازدادت مخاوفه وشكوكه في جدية أي اختيار أمني، خصوصا بعد استشراء ظاهرة الصعاليك والجمعيات التي تمارس العنف ضد الأشخاص والأحزاب والجمعيات بدعوى حماية الثورة، ومن الغريب أن تجد هذه الجماعات السند والدعم من أحزاب الترويكا الحاكمة، وخصوصا حزبي النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية.
هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فلا بد أن نتنبه في اعتقادي إلى خطورة انتشار السلاح في البلاد، وتواجد مخازن للأسلحة في عديد المناطق من البلاد، وأخطر ما يمكن أن يواجهه نظام من الأنظمة أو دولة من الدول هو حيازة السلاح من قبل أفراد الشعب، وليس بعيدا عنا المثال اللبناني الذي أوصل لبنان إلى حرب أهلية مدمرة وأقرب الأمثلة إلينا هو المثال الليبي الذي أوصل البلاد إلى الخراب ونظام المليشيات.
هذا واحد من التحديات الكبرى التي تواجه حكومة السيد علي العريض وتواجه وزير الداخلية الجديد في المقام الأول، ونحن لا نشك أبدا في جديته وكفاءته ونزاهته، لا بد لوزير الداخلية الجديد أن يتخلص من كل التأثيرات السياسية والاجتماعية في عمله وأن يخلص التونسيين من انتشار السلاح، وأن يعيد إلى التونسيين ثقتهم في كفاءة الأجهزة الأمنية والأمنيين بالخصوص ثقتهم في أنفسهم، بعد أن نالهم من نالهم من التهرئة والتطاول ولا أنسى أبدا ما قاله لي أحد أعوان الأمن منذ حوالي ثلاثة أشهر: " لقد أصبح الواحد منا عاجزا حتى على أن يطلب الاستظهار ببطاقة التعريف من أحد المشتبه بهم...".
أما التحدي الثاني لحكومة السيد علي العريض فهو تحد سياسي ولا يقل قيمة على التحدي الأول، لا بد أن تعمل حكومة السيد علي العريض على إنهاء حالة الاحتقان في الشارع وإنهاء مرحلة المؤقت بالمرور في أقرب وقت إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وأن تتصدى بكل شجاعة لنزوات بعض الساسة الجدد الذين لا يهمهم من أمر تونس إلا تحقيق مصالحهم الخاصة والتشفي من الماضي، والتقدم بقوانين إلى المجلس التأسيسي ما أنزل إليه بها من سلطان وتزيد في نسبة الاحتقان بين التونسيين وشق صفوفهم على غرار قانون تحصين الثورة الغريب والاستئصالي.
لقد لاحظت أن بعض المتكلمين في المنابر الاعلامية من حزب النهضة خصوصا وحزب المؤتمر كذلك الذين يحاولون إقناعنا بنجاح حكومة الترويكا الأولى، إنهم لا يفرقون بين الحديث عن نسبة النمو (croissance) ونسبة التنمية (développement) وكثيرا ما يخلطون بينها.
والفرق واضح بين نسبة النمو ونسبة التنمية ومن الخلط أن تقنع التونسيين بتقدم نسبة النمو على أساس أنها نسبة تنمية.
لقد حافظ السيد علي العريض في حكومته على عديد الوجوه التي يعتبرها الكثيرون علامات فشل حكومة السيد الجبالي، وكان على السيد علي العريض ألا يقسط في فخ إملاءات الأحزاب فيقبل بهذه الأسماء التي أجمع الناس على فشلها، ولا تكتفي بذلك بل نجدها تتبجح بعودتها إلى الحكومة الجديدة، كأنها تتحدى الرأي العام.
كان على السيد علي العريض أن يرفض هذه الأسماء إذا كان يريد فعلا أن يضمن لحكومته عوامل النجاح المرجو، وأن "يشد صحيح" وألا يسقط في فخ المحاصصة الحزبية.
إنني أعتقد شخصيا أن مهمة السيد علي العريض ستكون صعبة وأصعب من مهمة سلفه السيد حمادي الجبالي، وأمام حكومته العديد من التحديات التي يتوقف نجاحها على رفعها، وإلا فسوف لن يكون عمرها طويلا...
************************
كاتب ومحلل سياسي من تونس
إرسال تعليق