حواطر وتاملات من وحي سفر الليل

خواطر وتاملات من وحي سفر الليل

بقلم 

محمود حرشاني





لا أدري، لماذا قفزت إلى ذاكرتي، وطائرة الخطوط الجوية التونسية، التي أقلتنا من دبي إلى تونس، مروراً بمطار بيروت، وهي تمخر عباب السماء، إلى أحداث وشخصيات رواية من أجمل الروايات الفرنسية، التي قرأتها في بواكير شبابي، وهي رواية (طيران الليل) للكاتب الفرنسي سان أقزبيري، وقد صدرت هذه الرواية الشهيرة ضمن سلسلة كتاب الجيب الشهيرة، ونصحنا بقراءتها أستاذنا في مادة الفرنسية، قد تكون الأحداث متشابهة. هي سفرة ليلة عبر الطائرة.. بكل ما يوحي به الليل من رهبة وخشوع ومغامرة، وإذا كان الكاتب الفرنسي، سان أقزبيري وهو طيار بالأساس قد روى في روايته طيران الليل، تجربته الشخصية والذاتية كقائد طائرة لسنوات عديدة، تعددت أسفاره إلى كل أصقاع العالم مدفوعاً بحب المغامرة باكتشاف المجهول، فقد وجدتني وأنا جالس في مقعدي على الجانب الأيمن من كراسي الطائرة الفسيحة، أستعيد أحداث وأطوار رواية (طيران الليل) وكأنني أن الكاتب نفسه.
لقد سافرت كثيراً، وزرت دولاً عديدة، وتعددت أسفاري بالليل والنهار، ولكن في كل مرة كان يعاودني نفس الإحساس، أن هذه الرحلة هي رحلتي الأولى فتجدني مبهوراً، كيف يمكن لطائرة بهذا الحجم، تقل كل هذا العدد من المسافرين أن تحلق عالياً على ارتفاع ما يزيد عن عشر كيلومترات وهي تمخر الأجواء في سرعة مذهلة..
لقد روى الكاتب الفرنسي في روايته (طيران الليل) كيف كان متعلقاً منذ الصغر بعالم الطيران وكيف كان دائماً يراوده حلم أن يكون طياراً، وهو ما سعى بكل جهده إلى تحقيقه، فوسعت تجربة الطيران ومهنته كطيار من أفقه المعرفي وجعلته يكتشف عوالم ما كان له أن يكتشفها لولا مهنة الطيار.. وجلوسه على كرسي قيادة الطائرة، كانت المضيفات في أزيائهن الجميلة، يتنقلن بين المسافرين يقدمن الخدمات التي يطلبونها وكانت ابتساماتهن تخفف على المسافرين بعض ما قد يعتريهم من خوف في سفرة ليل طويلة.
ولا أدري إن كنت قد أخطأت عندما توفرت لي في بداية شبابي وأنا في العشرين من العمر، فرصة أن أكون مضيف طيران.. ولشيء لا أعرفه إلى الآن رغم أن العرض كان مغرياً خيرت أن ألتحق بعالم صحابة الجلالة لأنني رأيت فيها العالم الذي كنت أحلم به، بل لربما وجدتني في هذه المهنة أشبه بالكاتب الفرنسي سان أقزبيري أمارس مهنة الطيار لأسافر عبر عوالم من الحلم والجمال مدفوعاً بنفس الرغبة مثل سان أقزبيري تماماً في مغامراته كطيار، لأكشف عوالم مجهولة أشعر فيها بنفس المتعة والإحساس بالرغبة في تحقيق الحلم.
***************

نشر هذا المقال بمجلة المجلة العربية السعودية

comments

أحدث أقدم