يوم غير حياتي

من الهواية ..الى ..الاحتراف




يوم غير حياتي
بقلم محمود حرشاني
هذا المقال نشر بجريدة الشروق بتاريخ



الأربعاء 12 أفريل 2006

حبي للصحافة بدأ منذ ان كنت تلميذا بمعهد حي الشباب بقفصة في بداية السبعينات من القرن الماضي، فقد كنت ألتهم كل ما يقع بين يدي من كتب وصحف ومجلاّت. وكنت أتردد بكثرة على مكتبة إبن منظور حيث أتمكن من مطالعة وقراءة الصحف والمجلات الموجودة في المكتبة بالمجان، حيث لم يكن بإمكاني اقتناء هذه الصحف. وقرأت تقريبا أغلب الصحف والمجلات التي تصل الى المكتبة مما ساعدني في سنّ مبكرة على امتلاك القدرة على الكتابة والتحرير السليم، وساعدني ذلك على أن أنضمّ إلى أسرة تحرير مجلة المعهد التي كانت تصدر تحت عنوان «البراعم» وكذلك الجريدة الحائطية للمعهد، وكنا نكتبها بخط اليد، على ورق التصوير المقوّى وتعلقها إدارة المعهد في نهاية كل أسبوع.. والحقيقة انني وجدت التشجيع من عديد الأساتذة ومن إدارة المعهد وأسرته وخصوصا من مديره السيد حسين البويحي وكذلك القيم العام الداخلي الكاتب والقصاص عبد العزيز فاخت الذي كان يأخذ المتميزين من التلاميذ الى نادي الأدب، وكنّا من مؤسّسي نادي ابن منظور الأدبي ومن عناصره المؤسسة أذكر بالخصوص الزملاء بلقاسم التليجاني وأبو بكر الدياري وفاطمة التليجاني والصافي سعيد وبلقاسم الحتوي والعبد للّه.. وكان هذا النادي ينشط تحت اشراف اللجنة الثقافية الجهوية بقفصة، وقد قمنا بزيارات الى عديد النوادي وخصوصا الى نادي القصة والشعر بصفاقس حيث تعرفنا لأول مرة على عدد من أعضائه وعناصره وخصوصا الشاعر المنصف المزغني والقاصّة والشاعرة الاذاعية الآن ابتسام الغطاسي (المكوّر) وكان النادي ينشط تحت اشراف الأستاذ محمد الحبيب السلامي الذي احتفى بنا في أول زيارة قام بها نادي ابن منظور الى نادي القصة والشعر بصفاقس وكان ذلك سنة 1972.. في هذه الأثناء تمكنت من نشر بعض المحاولات في الصحف والمجلات وأذكر أن أول محاولة نشرت لي كانت بريد القراء لمجلة الاذاعة وتبعتها محاولات أخرى بنفس المجلة وبجريدة «العمل» ضمن صفحة التلفزة، حيث أرسلت لها رأيا حول مسلسل كان يبث في ذلك الوقت بعنوان «فارس ونجود» وهو من بطولة محمود سعيد وسميرة توفيق.. وقد بعث به الى الجريدة الأستاذ عبد العزيز فاخت وفاجأني به منشورا بعد أسبوع باسمي.. وكان لذ لك وقع كبير في نفسي الى اليوم.. كما راسلت صفحة الأحد بجريدة «الصباح» ونشرت بها قصة مازلت أذكر عنوانها الى اليوم بعنوان «ذبحنا البقرة». أمنية كنت أقرأ الصحف برغبة كبيرة في امتلاك القدرة على الكتابة.. حتى انني كنت معجبا جدا بركن الأستاذ الشاذلي زوكار الذي كان يكتبه بجريدة «العمل» بشكل يومي، وكنت أمني النفس بأن أصل الى اليوم الذي أتمكن فيه من الكتابة بطلاقة مثله وبشكل يومي. وإلى جانب قراءة الصحف والمجلات.. كانت عندي هواية أخرى.. هي الاستماع الى الاذاعة ومراسلة البرامج الاذاعية. وكانت لديّ رغبة شديدة في أن أصبح مذيعا أو منتجا لبرامج إذاعية.. ومن الاذاعات التي كنت أداوم على الاستماع إلى برامجها القسم العربي بإذاعة لندن وخصوصا برنامج «ندوة المستمعين» وإذاعة كولونيا.. وأذكر اني كوّنت ناديا لمستمعي إذاعة كولونيا في قريتنا متكونا مني ومن شقيقتي وبعض الأقارب وكنا نراسل هذه الاذاعة باسم هذا النادي.. كما كنت مداوما على مراسلة بعض البرامج في الاذاعة الوطنية وخاصة برنامج «صور من الحياة» للأستاذ بوراوي بن عبد العزيز، وبرنامج «هواة الأدب» الذي يشرف عليه الأستاذ أحمد اللغماني. من النافذة ولكن البرنامج الذي أحدث نقلة في حياتي هو برنامج «من النافذة» الذي كان ينتجه الأستاذ محمود بن جماعة في اذاعة صفاقس وكذلك برنامج «نادي الأصدقاء» لنفس المنتج.. كنت أواظب خصوصا في عطلة الصيف الى مراسلة هذين البرنامجين.. ونجحت ذات صيف في مسابقة نظمها برنامج «من النافذة» في كتابة القصة القصيرة وهو ما شجعني على مراسلة ادارة اذاعة صفاقس واقترحت انتاج برنامج.. وفي الحقيقة لم آخذ الموضوع مأخذ الجد، بل نسيته.. إلى أن فوجئت بعد مدة طويلة بدعوة تصلني عن طريق مركز الحرس الوطني.. ذهبت وهناك أعلموني بأنه عليّ أن أتصل بمسؤول في الاذاعة (إذاعة صفاقس) اسمه محمد الهنتاتي، وذكرني الاسم ببرنامج إذاعي كنت أراسله أيضا بعنوان «من كنش المذيع» وعندما اتصلت به من مركز الحرس، أعلمني بقبول برنامجي وأعلمني بأنه علي الاتصال بالسيد محمود بن جماعة لمساعدتي على إنتاج الحصة.. عدت الى بيتنا في قريتنا الصغيرة.. لا أكاد أصدّق نفسي.. أخيرا تحقّق الحلم، وأصبحت منتجا إذاعيا.. ولم أكن أعلم أن بداية إنتاج ذلك البرنامج ستغير مسار حياتي لتلتهم الصحافة والاذاعة أكثر من نصف عمري عشرات البرامج الاذاعية، وعشرات التحقيقات التلفزية ومئات المقالات الصحفية.. وكتب.. وقبل هذا وذاك.. أن أؤسّس مجلتي الخاصة هل هي أحلام الطفولة.. تتحقق في مرحلة الشباب؟ ربما..

comments

أحدث أقدم