حياتي في الصحافة من الهواية الى الاحتراف
بقلم . محمود الحرشاني
كتاب على حلقات
ادريس قيقة ، الطاهر بلخوجة، والآخرون او بدابة التوجه نحو الديمقراطية
توطّدت صلتي بالوزير ادريس قيقة لمّا عيّنه الحزب الاشتراكي الدستوري مرشّحا في قائمة الحزب مع المرحوم عبد القادر حمدي في انتخابات تشريعية تكميلية شهدتها ولاية سيدي بوزيد سنة 1985 لسد الشغور الحاصل في مقاعد الجهة بمجلس النّواب، على اثر تعيين أحد النواب وهو السيّد الأمين القادري واليا بباجة... وككلّ انتخابات تشريعية أو رئاسية فقد سبقتها حملة انتخابية للمرشّحين تواصلت خمسة عشر يوما... وطبيعي أن يرشّح نفس الحزب مرشّحين اثنين لمقعد واحد للاختيار بينهما... لأنّ الحزب كان قد اتّخذ قرارا لأوّل مرّة بأن يخوض تلك الانتخابات الأصلية والتكميلية السابقة لها، بقائمات تضمّ عددا مضاعفا لعدد المقاعد لكلّ دائرة انتخابية في محاولة منه لتكريس الديمقراطية داخل هياكله حتى وانّ بدا هذا الاجراء للبعض اجراءا صوريا فانّه كان على كلّ حال خطوة هامّة وجريئة باتّجاه ترسيخ النفس الديمقراطي داخل الحزب الواحد.و لابدا من القول هنا بأنّ اقدام الحزب الاشتراكي الدستوري على اتّخاذ هذا القرار في تلك السنة والتقدّم الى خوض الانتخابات التشريعية لقائمات مضاعفة لعدد نواب كلّ دائرة، كان اجراء تقدّميا وجاء نتيجة النفس الديمقراطي الّذي دخلته البلاد بعد تولّي المرحوم محمد المزالي مهام الوزارة الأولى. وأيضا لوجود عدد من الوزراء الكبار في حكومته المؤمنين بضرورة ادخال النفس الديمقراطي على الحياة السياسية والاتّجاه نحو التعدّدية، وكان من بين الوزراء المدافعين بقوّة على هذا التوجّه وزير الداخلية ادريس قيقة ووزير الاعلام الطاهر بلخوجة ووزير الشؤون الاجتماعية محمد الناصر وكاتب الدولة للدفاع الوطني ثمّ للأمن الوطني أحمد بالنّور وكان هؤلاء الوزراء يدفعون بقوّة من خلال مواقفهم وتصريحاتهم في وسائل الاعلام وخطاباتهم الجماهيرية نحو ادخال النفس الديمقراطي وإقرار التعددية والتفتّح على الكفاءات الجديدة والإقلاع عن الممارسات القديمة للحزب الاشتراكي الدستوري... وكان من بين الّذين يناصرون هذا التوجّه الاستاذ المنجي الكعبي رغم كونه كان مديرا للحزب الاشتراكي الدستوري، ولكّنه كان محسوبا على الجماعة التي تدقّع باتجاه الحياة الديمقراطية، وقد غطّيت العديد من الاجتماعات التي كان يعقدها، وكانت خطبه في هذه الاجتماعات تؤكّد على ضرورة التوجّه نحو الديمقراطية وعدم الانغلاق والتفتّح على الوجوه الجديدة.
وكان من بين المناصرين لهذا التوجّه وزير الاعلام الطاهر بلخوجة الّذي تمّ اخراجه من وزارة الداخلية، وبعد مدّة قضاها سفيرا في المانيا عاد ليستلم حقيبة وزارة الاعلام في الثمانينات من القرن الماضي فأراد ادخال العديد من الاصلاحات على هذا القطاع وخاصّة قطاع الاعلام العمومي بما يسمح بفتح المجال لكلّ القوي الديمقراطية للتواجد في وسائل الاعلام العمومية، وفي عهده انتظمت أوّل ندوة وطنية للنهوض بالإعلام الجهوي في المنستير سنة 1982 واتّخذت فيها العديد من القرارات بهدف تحرير هذا القطاع من هيمنة السلطة الجهوية حتى يعمل الصحافيون والمراسلون الجهويون بعيدا عن ضغوطات الولاّة... وكان من أبرز مناصري قرار أن يكون لكل وسيلة اعلام وطنية مراسل مستقلّ وألاّ يجمع مراسل واحد كلّ وسائل الاعلام بين يديه وذلك بهدف خلق نوع من التوازن والتعدّدية في تناول طريقة الاخبار الجهوية، أمّا على المستوى السياسي فقد كان الطاهر بلخوجة من أكبر المدافعين في خطبه عن ضرورة ترسيخ النفس الديمقراطي في البلاد والتوجّه نحو التعدّدية وتمكين المواطن من حقّ الاختيار وحضرت له مرّة اجتماعا في المكناسي بمناسبة اشرافه على مؤتمر شعبتها المركزية، وقد كلفت من قبل وكالة تونس افريقيا للأنباء بتغطية هذا الاجتماع، وشنّ السيّد الطاهر بلخوجة في هذا الاجتماع هجوما كاسحا على الريديكاليين والمتزمّتين الّذي لا يقبلون بضرورة التوجّه نحو التعدّدية وفتح الفضاء السياسي لكل الطاقات الوطنية وأكّد أنّ الوقت حان ان لكي تنطلق تونس في مرحلة جديدة من الحياة السياسية قوامها التعدّدية والتفتح على كلّ الكفاءات القادرة على الاضافة والعمل.
وأعود الى الحديث عن السيّد ادريس قيقة الّذي توطّدت صلتي به لما عيّن مرشّحا للانتخابات التكميلية في دائرة سيدي بوزيد، ورافقته بوصفي مراسل وكالة تونس افريقيا للأنباء في كلّ الاجتماعات الانتخابية التي عقدها صحبة المرشّح الاخر المرحوم عبد القادر حمدي بكافة معتمديات الولاية، ولا أزال أحتفظ بقصاصات تغطية تلك الاجتماعات التي القى فيها السيّد ادريس قيقة خطابا جديدا غير مألوف. ولا أزال أذكر الحوار الصحفي المطوّل الّذي أجريته معه بمقرّ وزارة الداخلية ونشر بمجلّة مرآة الوسط في عددها الرابع وبجريدة الأمّة التي كان يصدرها اتّحاد الفلاّحين وكنت أحد محرّريها.
إرسال تعليق