حياتي في الصحافة...من الهواية إلى الاحتراف... في عملية قفصة الشهيرة...عشت لحظات تسليم عبد المجيد الساكري لنفسه

حياتي في الصحافة...من الهواية إلى الاحتراف...    

في عملية قفصة الشهيرة...عشت لحظات تسليم عبد المجيد الساكري لنفسه

بقلم: محمود الحرشاني


استفاق التونسيون فجر يوم 27 ديسمبر 1980 على خبر الهجوم المسلح على مدينة قفصة الآمنة، والذي قامت به مجموعة إرهابية ستكونه من شبان تونسيين يقارب عددهم 49 نفرا، تدربوا في ليبيا، كانت تستهدف قلب نظام الحكم بعد أن وجدت الدعم والسند من العقيد الليبي معر القذافي. ودخلت هذه المجموعة التي كانت بقيادة عز الدين الشريف و تضم عناصر خطيرة مثل المرغني وعبد المجيد الساكري إلى تونس عن طريق الجزائر، واستطاعت أن تتخفى عن الأنظار لمدة تقارب الشهر في إحدى الديار المهجورة بمدينة قفصة، قبل أن تقدم على تنفيذ عمليتها في منتصف ليل 27 ديسمبر 1980. حيث انقسمت إلى ثلاث مجموعات هاجمت واحدة منها الثكنة العسكرية والأخرى منطقة الشرطة والثالثة منطقة الحرس.
و الشروع في ترويع المواطنين بإطلاق النار وقتل عدد من الأبرياء، وكان من بين أولى الضحايا المدعو الشاب حبيب الحرشاني وهو يعمل حارسا بلجنة التنسيق. وقد طلبت منه المجموعة التي تحولت إلى هذه الإدارة دعوة الكاتب العام للحضور في تلك الساعة وربما كانوا يخططون لتصفيته ولما رفض، افرغ فيه احدهم عدة رصاصات أردته قتيلا. وكان الوزير الأول في ذلك الوقت هو المرحوم الهادي نويرة ووزير الداخلية هو السيد عثمان كشريد ...ويبدو ان الخبر الفاجع فاجأ الجميع. وكان رئيس الجمهورية الرئيس الحبيب بورقيبة مقيما في ذلك الوقت في نفطة  وقد زار قفصة بعد ذلك بايام
وبسرعة تحركت وحدات الجيش من الثكنات القريبة وخصوصا من سبيطلة وقابس، بقيادة العقيد الصادق الشابي نجل الشاعر الكبير أبو القاسم الشابي للتصدي لهذه المجموعة الإرهابية، وقتل عدد من عناصرها فيما فر آخرون إلى مناطق مجاورة. وقد خلقت حادثة الاعتداء على مدينة قفصة عدد من الضحايا من الأبرياء من الجنود العزل والمواطنين والأمنيين...
كان من الصعب على أي وسيلة إعلام الدخول إلى مدينة قفصة، فقد كان الوضع فيها على غاية الخطورة. وتلقيت اتصالا من رئيس التحرير بوكالة تونس إفريقيا للأنباء لكي أمد الوكالة ببعض الأنباء بالاتصال مع أناس أعرفهم في مدينة قفصة. وفعلا حاولت وكدت أغامر بالذهاب إلى قفصة، ولكن كان الأمر أشبه بالمغامرة الكبيرة غير محمودة العواقب، فعدلت عن التحول إلى قفصة، ولكن استطعت أن أربط الصلة مع صديقين كانا يقومان بسياقة السيارات التي تزود مدينة قفصة بالخبز إنطلاقا من سيدي بوزيد. لكي أمد الوكالة ببعض الأخبار.
ولكن المغامرة الأهم، كانت عندما اتصل بي الصديق صالح شبيل رئيس تحرير الأخبار بالإذاعة الوطنية لأتحول إلى المكناسي، بعد أن وصلت معلومات تفيد بتحول عبد المجيد الساكري احد عناصر المجموعة إليها وهي مسقط رأسه. لأمد الإذاعة الوطنية بمراسلة حال إلقاء القبض عليه أو تسليم نفسه... وللأمانة فان هذه المهمة كانت من أصعب المهام في حياتي. وكدت أعتذر عنها...لولا أن شجعني الزميل العزيز المرحوم البشير بن رمضان مبعوث جريدة العمل في ذلك الوقت الذي حل هو الآخر بسيدي بوزيد لمواكبة الحدث....
وتحولنا فعلا إلى المكناسي، حيث كان عبد المجيد الساكري متخفيا بأحد المنازل وهو مطوق بالجيش وعناصر من الأمن. وهم يفاوضونه بواسطة مضخم الصوت على تسليم نفسه... وكان هو بين الجيش والآخر يطلق بواسطة رشاش كان بحوزته وابلا من الطلقات النارية في الهواء. فيتراجع البعض. ولم يكن من السهل على عبد المجيد الساكري أن يسلم نفسه....وفي الآخر تم جلب والده، وهو رجل وطني شريف واحد المقاومين الكبار الذين ساهموا في تحرير البلاد من الاستعمار، وخاطب إبنه بكلمات مؤثرة...ضعف على إثرها عبد المجيد الساكري ورمى سلاحه ثم قام بتسليم نفسه.
كانت تلك من أصعب اللحظات التي عشتها في حياتي وأسرعت إلى أقرب هاتف لأمد الإذاعة الوطنية بمراسلة صوتية حول تسليم عبد المجيد الساكري لنفسه ونقله بواسطة إحدى الطائرات المروحية.
للتفاعل مع هذه الحلقة...الهاتف 0021698417729

comments

أحدث أقدم