حياتي في الصحافة من الهواية الى الاحتراف
تجربتي مع جريدة الامّة ومجلّة تونس الخضراء
بقلم: محمود الحرشاني
شكلت جريدة الأمّة ومجلّة تونس الخضراء اللتان أصدرهما الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري عندما كان رئيسه الاستاذ حمّادي غديره محطّة هامّة في مسيرتي الصحفية فقد تواصل تعاوني مع الجريدة وكانت تصدر اسبوعيا ومع المجلّة وكانت تصدر شهريا أكثر من عشر سنوات. وقد كان شعار جريدة الامّة لا امّة بلا وطن ولا وطن بلا ارض ولا ارض بلا فلاح وأكر ان انضمامي الى أسرة التحرير جاء بدعوة تلقيتها من السيّد محمد غديرة شخصيا حيث طلب منّي أن أنجز تحقيقات اقتصادية لمجلّة تونس الخضراء وعندما تأسست جريدة الامّة وكانت مجلّة تونس الخضراء قد اكتست مكانتها في المشهد الاعلامي والصحفي كمجلّة اقتصادية مع التركيز على الجانب الفلاحي طلب منّي السيّد حمّادي غديرة أن أكتب ايضا في جريدة الامّة وكانت تصدر كل يوم جمعة وكان من كتاب الجريدة الزّملاء رؤوف بن رجب وعبد الحميد القصيبي ومصطفى المدائني وإبراهيم الفريضي وبعض هؤلاء كانوا يمضون مقالاتهم بأسماء مستعارة نظرا لكونهم كانوا يعملون بمؤسسات اعلامية أخرى ويتولّى تنسيق شؤون التحرير الصديق الازهر الضيفي الذي كانت له قبل ذلك تجربة في قسم الاعلام بمنظّمة التربية والأسرة واشرف على المجلّة التي اصدرتها المنظّمة.
وكانت المهمّة الأولى التي كلّفني بها السيّد حمّادي غديرة باعتباره المدير المسؤول للجريدة وللمجلّة هي ايفادي الى باريس في مارس سنة 1985 لتغطية معرض باريس الفلاحي وطلب منّي وقتها ان اقوم بتغطية شاملة لهذا المعرض الذي يعد اضخم المعارض الفلاحية في اوروبا مع التركيز على جديد التقنيات الفلاحية المعروضة الى جانب الاهتمام بمشاركة الفلاّحين والفنّيين التونسيين الّذين سيزورون المعرض... وقد دأب الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري على تنظيم زيارات الى الفلاحين الى هذا المعرض كلّ سنة للاستفادة من احداث التقنيات والتجارب الفلاحية المعروضة قصد تطوير الفلاحة التونسية.
وكنت تلك هي المرّة الاولى التي ازور فيها باريس وتواصلت زيارتي لها بمناسبة اقامة هذا المعرض اسبوعا كاملا... وأقيم المعرض سياحة فارساي الشهيرة وعندما وصلت الى باريس وأنا اكتشفها لأول مرّة كانت ترنّ في اذني قولة عميد الادب العربي طه حسين الشهيرة في كتابه الايام باريس بلد الجن والملائكة وكنت مدفوعا الى اكتشاف هذا السرّ الّذي يجعل من هذه العاصمة الاوروبّية الفاتنة بلد النقيضين بلد الجن والملائكة.
بهرني معرض باريس الفلاحي بعظمته وتعدد اجنحته وجديد معروضاته من الالات الفلاحية والانتاجات الجديدة والميكنة الزراعية...وأنواع الحيوانات مثل الأبقار والأغنام وحتى اصناف نادرة من الدواجن وبعضها اكتشفه لأوّل مرّة.
وكلّ جناح من هذه الاجنحة كان يغريك بأن تقصي فيه وقتا طويلا ولا تشعر بالملل ابدا.
وأعددت تحقيقا مصوّرا عن المعرض للجريدة وآخر بمجلّة تونس الخضراء كان اعمق واشمل يتماشى وطبيعة المجلّة كمجلّة متخصصة واصبح السيّد حمادي غديرة يوفدني كلّ سنة بعد ذلك لتغطية معرض باريس الفلاحي بعد ان اعجبته التغطية التي قمت بها في المرّة الاولى وهو فضل له (ولا انساه له ابدا ) ورغم الطابع الفلاحي والاقتصادي للجريدة فقد كنا نسعى كفريق تحرير الى ان نجعل من جريدة الامّة جريدة مقروؤة فأحدثنا عديد الاركان الجديدة مثل الصفحة الثقافية التي كان يشرف عليها الصديق مصطفى المدائني والصفحة الفتية وصفحة للمتاهات الاخبارية وكنت اتولى انا والصديق ابراهيم الفريضي انجاز تحقيقات وربورتاجات ميدانية للجريدة الى جانب حوارات مطوّلة مع وجوه سياسية من ذلك الحوار المطّول الّذي اجريته شخصيا مع السيّدي ادريس قيقة ووزير الداخلية في ذلك الوقت وكأن من اهم الحوارات التي ادلي بها اليه ادريس قيقة وقامت بالإشارة اليه عديد الصحف الاخرى.
كما واكبت لهذه الجريدة في تغطيات مطولة زيارات عدد من اعضاء الحكومة الى الجهات.وكانت الجريدة تخصص اكثر من صفحة لنشر هذه التغطيات التي لم نكن نكتفي فيها بمتابعة ما يقوم به الوزير في الجهة التي يزورها من نشاط وانما نحاول ان تاخذ التغطية شكل الروبورتاج الميداني واعطاء الكلمة الى المواطنين. ومما ادكره التغطية المميزة التي قمت بها للجريدة للزيارة التي قام بها الوزير منصور السخيري وكان مقتها يشغل خطة الوزير مدير الديوان الرئاسي وزير التجهيز والنقل والمواصلات الى سيدي بوزيد فضلا عن عضويته للديوان السياسي للحزب الاشتراكي الدستوري وكان يصنف باعتباره الوزير القوي في الحكومة. وقد دامت زيارته الى سيدي بوزيد يومين واجرى حوارات مع المواطنين ومع كوادر الجهة واذكر ان هذه الزيارة كانت في شهر رمضان وانتهت الزيارة فجر يوم الخميس والجريدة كانت تطبع يوم الجمعة فسلمت العمل جاهزا الى سائق الوزير لابلاغه الى الجريدة التي نشرت التغطية في صفحتين كاملتين في عددها الصادر يوم الجمعة.
وعندما حدثت الازمة بين تونس وليبيا واطرد القذّافي العمال التونسيين الّذين كانوا يعملون في ليبيا كلّفتني الجريدة بالتحوّل الى راس جدير لإجراء تحقيق صحفي على عين المكان وهو تحقيق كاد يكلّفني حياتي.
اعتبر تجربتي الصحفية في جريدة الامة ومجلة تونس الخضراء تجربة مهمة وافادتني كثيراورغم اقامتي في سيدي بوزيد بعيدا عن العاصمة فقد كان السيد حمادي غديرة يستانس بي وكان يكلفني بعديد المهمات الصحفية للجريدة.ويذكر ان الجريدة كانت في منافسة قوية مع جريدة الشعب التي يصدرها الاتحاد العام التونسي للشغل.وبخروج السيد حمادي غديرة من اتحاد الفلاحين بعد تكليفة بمهام الوزارة ماتت جريدة الامة وعوضتها جريدة جديدة هي جريدة الفلاح ولكن لم تكن لي فيها مساهمات فلم يعد بوسعي ان اكون متواجدا في اكثر من صحيفة
كان السيّد حمّادي غديرة يؤمن بدور الصحافة المتخصّصة في ابلاغ المعلومة الاقتصادية والفلاحية واشهد ان مجلّة تونس الخصراء التي تواصل صدورها اكثر من عشرين سنة تعد تجربة فريدة في الاعلام الاقتصادي والفلاحي المكتوب باللغة العربية... ولاقت هذه المجلّة نجاحا كبيرا في اوساط المختصّين والتلاميذ خاصّة... فقد كانت المجلّة تحتوي بحوثا مهمّة في المجال الفلاحي والبيئي يوجه المربّون التلاميذ الى الاستفادة منها.
وعندما سافرت الى السويد بدعوة من وكالة التعاون الدوّلي ومررت على السيّد حمّادي غديرة للسلام عليه في مكتبه بنهج الحبيب ثامر كعادته وأعلمته بسفري قال لي ايّاك ان تنسى مجلّة تونس الخضراء وفعلا اعددت روبورتاجا مطوّلا عن السويد والنهضة الفلاحية في هذا البلد نشرته المجلّة في العدد الموالي لعودتي
إرسال تعليق