حياتي في الصحافة ... من الهواية إلى الاحتراف
بقلم
محمود الحرشاني
كاتب وصحفي
درس عمر أبو ريشة "وحواراتي مع الآخرين"
ليس سهلا او على الأقل، دائما متاحا، لأي صحفي، أن تحاور الأديب السوداني، الطيب صالح، صاحب رائعة، موسم الهجرة إلى الشمال وعرس الزين، وكذلك غيره من قامات الأدب والثقافة في الوطن العربي... فهم، أما مستنكفون عادة ولا يرغبون في الاحاديث الصحفية، أو أنهم لم يعد يعنيهم الحضور الاعلامي... ولذلك فإن الظفر بحديث صحفي مع واحد من هؤلاء يعد علامة من العلامات التي تحسب في رصيد الصحفي.
ومحاورة هؤلاء، تتطلب من الصحفي أن يكون على إطلاع واسع بتجاربهم.. أو على الأقل أن يكون قد قرأ لهم البعض من أعمالهم المنشورة.. حتى لا يتحول الحوار أو الحديث إلى مجرد سفسطة أو يكون مجرد ملء لفراغ في صحيفة أو مجلة.. وانا مررت بتجربة تعلمت منها الكثير في حياتي الصحفية.. فقد صادف وأنا في البقاع المقدسة، أن التقيت بالشاعر السوري الكبير عمر أبو ريشة، وكان ينزل في نفس الفندق الذي أقيم فيه، ذهبت إليه فقام وسلم علي بكل أدب وحياتي خاصة عندما قلت له أني صحفي تونسي، فذكرني بأصوله التونسية. ودعاني إلى فنجان شاي معه. وأثناء الجلسة طلبت منه أن أجرى معه حوارا لجريدة العمل ولمجلة الإذاعة التونسية، باعتباري كنت مبعوث الإذاعة إلى موسم الحج، فلم يعارض ولكنه ألقى على سؤالا أفحمني عندما طلب مني أن أطلعه على ما كنت قد قرأته له.
وفي الحقيقة، إلى حد تلك الساعة، لم أكن قد قرأت له عملا من أعماله ولكن كنت أسمع بالاسم، كأحد الشعراء السوربيين الكبار. وطلب مني أن أعد له الأسئلة وأسلمها إلى عون الاستقبال بالفندق لإبلاغها إليه لأنه كان مدعوا وقتها إلى عشاء على مائدة أحد أصدقائه السعوديين، وعندما يعود سيتولى الإجابة عن أسئلتي.
وفهمت أن الرجل يريد أن يتخلص بذكاء.. لأنه لا يريد أسئلة من نوع ما هي آخر دواوينك ؟ وما هو نوع سجائرك ؟ وبمن تأثرت ؟ وما هي أسعد ساعات يومك ؟ إلى آخره من هذه الأسئلة التي لا تضيف له شيئا.. ومن يومها تعلمت الدرس، وهو أن محاورة كاتب أو شاعر كبير في حجم عمر أبو ريشة يتطلب حضورا ذهنيا كبيرا وخلفية ثقافية وأن يكون الصحفي على اطلاع مسبق على ما كتبه الكاتب وعلى مواقفه وأرائه تجاه عديد القضايا الفكرية والثقافية...
وأشهد أن درس الشاعر الكبير عمر أبو ريشه كان أبلغ من أي درس آخر تلقيته في حياتي، وما كان يشفع لي وقتها هو حرصي على عدم إهدار فرصة اللقاء بالشاعر عمر أبو ريشة الذي التقيته للمرة الأولى في حاتي والثاني هو كسب رصيد معنوي يثري تجربتي الصحفية، وأنا ما زلت في بداية الطريق توفرها لي محاورة شاعر كبير في حجم عمر أبو ريشة..
وتوفرت لي بعد ذلك فرص محاورة العديد من قامات الفكر والثقافة والأدب في العالم العربي... وكان درس عمر أبو ريشة دائما ماثلا أمام عيني، وهو ما ساعدني على أن تكون الحوارات الصحفية التي أجريتها مع عدد من هؤلاء الكتاب بمثابة الوثائق التي أعتز بها في مسيرتي الصحفية. وقد كنت انطلق دائما في حواراتي مع هؤلاء الاعلام من قضية مركزية تشغل بال الرأي العام العربي والعالمي، ويكون للضيف اسهام مباشر أو عضوي فيها، فإذا ما استأنس لي الضيف انهلت عليه بأسئلتي.
عندما التقيت الأديب السوداني الطيب صالح، في المنامة عاصمة البحرين، كان مدخلي للحوار معه، هو الدور الذي يمكن ان تلعبه الفضائيات العربية بعد ان تعددت في نقل صورة صادقة للمغرب عن الواقع العربي، وكنت أخاطب في الطيب صالح من خلال هذا السؤال خليفته الاعلامية كخبير في الاتصال والاعلام أمضى سنوات عديدة مستشار اعلاميا في اليونسكو علاوة على عمله كمذيع ومعد برامج في إذاعة لندن ولم نتطرق إلى تجربته كأديب وروائي إلا في الجزء الثاني من الحوار... وعندما حاورت المفكر الكبير الأستاذ الشاذلي القليبي خيرت أن يكون المدخل لحواره سؤال حول العولمة وطريقة التصدي للهيمنة الغربية عن طريق الغزو الاعلامي، وكنت أخاطب فيه من خلال هذا السؤال خليفته كوزير سابق للإعلام، وللشؤون الثقافية، وأمين عام سابق للجامعة العربية، ولم أجد مدخلا حواري مع الشاعرة الفلسطينية الكبيرة فدوى طوقان ونحن في ندوة ثقافية في فاس المغربية نظمتها مؤسسة البابطين للشعر غير سؤالها عن حصار المثقفين داخل الأراضي الفلسطينية من قبل العدو الاسرائيلي وطرق تواصلهم مع المثقفين العرب فأثرت في نفسها شجونا كثيرة جعلتها تخر باكية أمامي.
وعندمات التقيت الباحث في علم الاجتماع محمد جابر الانصاري من البحرين، وكنا في الكويت، كان سؤالي الاول له حول ظاهرة التمدن وترييف المدن والأحزمة البشرية حول المدن الحضرية وتأثيراتها السلبية على التنمية والتمشي السليم للمعاش البشري.
وعندما حاورت الكاتب الكبير عبد القادر بلحاج نصر في عديد المناسبات، كان مدخلي لحواره دائما الفكرة الريئسية في آخر رواياته فينقاد لي صائفا لبقية الأسئلة التي أطرحها عليه.
أشهد أنني غنمت من هذه الحوارات مع الكتاب والأدباء العرب، كتابا مع أعز كتبي وأقربها إلى نفسي وهو كتاب "البحث عن فكرة" الذي جمعت فيه مجموعة من حواراتي الصحفية، مع هؤلاء الكتاب وصدر سنة 2004 ضمن سلسلة كتاب مرىة الوسط ويعد اليوم هذا الكتاب كتابا مرجعيا لأنه حوى مواقف وأراء لعدد من قادة الفكر العربي وأعلامه.
إرسال تعليق