إدريس قيقة وزير الداخلية القوي..والاخرون

حياتي في الصحافة من الهواية إلى الاحتراف
بقلم محمود الحرشاني
كاتب وصحفي



إدريس قيقة وزير الداخلية القوي..والاخرون
إدريس قيقة هو أحد أقوى الوزراء الذين عرفتهم وزارة الداخلية، في فترة الثمانينات من القرن الماضي، وقد تولى قبل وزارة الداخلية عدة وزارات مثل الصحة والتربية ولكنه لم يكن وزيرا بارزا، كما برز عند تولي وزارة الداخلية لمدة خمس سنوات تقريبا في فترة تولي المرحوم محمد مزالي لمهام الوزارة الأولى... وكان ادريس قيقة من الوزراء المقربين من الماجدة وسيلة عقيلة الرئيس الحبيب بورقيبة. وادريس قيقة هو من الشخصيات السياسية التي لم تغادر الحكم منذ استقلال البلاد، وهو الذي كلف بنقل أمر عزل آخر بايات تونس محمد الأمين باي إلى الباي وتلاوته عليه في قصر باردو لما أعلن النظام الجمهوري في 25 جويلية 1957، وكان وقتها مديرا عاما للأمن الوطني، وبقي في هذا المنصب إلى حدود سنة 1962 لما تم كشف المؤامرة الانقلابية على النظام البورقيبي بقيادة الازهر الشرائطي، ومجموعة من المقاومين والمناضلين منهم المرحوم الأستاذ عبد العزيز العكرمي والأستاذ الرحموني أصيل تالة، ولما تم كشف هذه المؤامرة وإعدام عناصرها، انتقل ادريس قيقة إلى الديوان الوطني للسياحة وحل محله على رأس إدارة الأمن الوطني الباجي قائد السبسي في عهد المرحوم الطيب المهيري الذي يعد اول وزير داخلية في تونس المستقلة إلى أن توفي وخلفه على رأس وزارة الداخلية الباجي قائد السبسي ثم المرحوم الهادي خفشه، وتعاقب على رأس وزارة الداخلية عدد من الوزراء نذكر منهم بالإضافة إلى الرحومين الطيب المهيري والهادي خفشة، السادة الباجي قائد السبسي والطاهر بلخوجة وعبدالله فرحات (بالنيابة) وعثمان كشريد ومحمد مزالي (مع الوزارة الأولى) وزين العابدين بن علي (مع الوزارة الأولى) والدكتور الضاوي حنابلية وامحمد بن رجب وعبد الله القلال، ورفيق الحاج قاسم، وكل هؤلاء الوزراء تولوا مهام وزارة الداخلية قبل 14 جانفي 2011.
عندما تولى ادريس قيقة وزارة الداخلية أظهر من القوة والصلابة في تسيير شؤون الوزارة ما أعطاه صفة الرجل القوي في حكومة محمد مزالي بل إنه كان الرجل القوي في الحكومة... وكانت البلاد تعيش حالة انفتاح سياسي هبت نسائمها مع تولي المرحوم محمد مزالي لمهام الوزارة الأولى وواجهت حكومة محمد مزالي عديد الصعوبات المادية ولم يكن خافيا الصراع على الخلافة بين الوزراء الذين في الحكم، خصوصا وأن حكومة محمد مزالي كانت تضم عددا من الوزراء الذين كانوا خارجين عن سيطرته مثل وزير الداخلية إدريس قيقة ووزير الإعلام الطاهر بلخوجة، ووزير الدفاع عبد الله فرحات ومدير الحزب الاشتراكي الدستوري الجهاز المؤثر في الحكم، محمد الصياح الذي خرج من إدارة الحزب ليشغل خطة وزير التربية برتبة وزير دولة، ثم انتقل إلى وزارة التجهيز والاسكان بنفس الرتبة أي وزير دولة... وفي القصر كان هناك الوزير القوي الآخر منصور السخيري الوزير مدير الديوان الرئاسي قبل أن تنضاف إليه حقيبة التجهيز والاسكان والنقل والمواصلات وكان في الجانب المقابل الاتحاد العام التونسي للشغل بقيادة الحبيب عاشور لا يترك أي فرصة تمر دون أن يؤكد مكانته كقوة فاعلة ومؤثرة في البلاد لها وزنها النقابي والسياسي والاجتماعي وبدأت مشاكل حكومة محمد مزالي تتراكم خاصة عندما اشتد عليه الصراع وتضييق الخناق وأصبح مسلسل عزل الوزراء التابعين لجناح المرحوم محمد مزالي يتكرر كل يوم اثنين من كل أسبوع بدءا بوزير التربية فرج الشاذلي، ثم وزير الثقافة البشبر بن سلامة، ثم وزيرة شؤون الاسرة فتحية مزالي عقيلة الوزير الأول، ووزير الصحة... وأصبح التونسيون ينتظرون كل يوم اثنين جديد ليعرفوا اسم الوزير الذي  ستتم إقالته من قبل الرئيس الحبيب بورقيبة، ومن الطريف أن الزعيم بروقيبة عزل وزيرين بعد أربع وعشرين ساعة من تعيينهما بل انكر تسميته لهما، وهما عبد الملك العريف وصلاح الدين معادي على رأس الإذاعة والتلفزة إلى أن جاءت انتفاضة الخبز الشهيرة في جانفي 1984 حيث اشتعلت البلاد احتجاجا على رفع الدعم والزيادة في سعر الخبز وأنهى بورقيبة تلك الانتفاضة التي كانت أقوى انتفاضة شعبية عرفتها تونس في عهده عندما قال قولته الشهيرة "نرجعو وين كنا"، معلنا بذلك التراجع في الزيادة في سعر الخبز، فتحول في لحظة غضب الشعب ونقمته على النظام والحكومة إلى مسيرات مبايعة وتأييد جديد لبورقيبة وهتاف بحياته حيث كان المتظاهرون يرددون شعار "بورقيبة يا حنين، رجعت الخبزة بثمانين" واستغل ادريس قيقة الفرصة ليجهز على خمصه محمد مزالي ويحمله المسؤولية في ما حدث. وعزل بورقيبة كل الوزراء الذين رأى أنهم تسببوا في هذه الانتفاضة الشعبية التي كانت أشبه بالثورة ولم يدرسوا ردة فعل الشعب وقوة غضبه، وفي مقدمتهم محمد مزالي نفسه وحل محله رشيد صفر على رأس الوزارة الأولى.
كما عزل ادريس قيقة وزير الداخلية وعوضه عبد الله فرحات ليجمع بين وزارتي الدفاع والداخلية. وتشكلت حكومة جديدة برائاسة السيد رشيد صفر الذي كان قبلها وزيرا للاقتصاد الوطني.

comments

أحدث أقدم