حياتي مع الصحافة
من الهواية إلى الاحتراف
-------------------------------------
يوم وقفت اول مرة بين يدي الزعيم بورقيبة
بقلم محمود الحرشاني
الكاتب محمود الحرشاني
الكاتب محمود الحرشاني
صورة نادرة تنشر لاول مرة ويبدو فيها كاتب المقال الصحفي محمود الحرشاني
في اقصى اليمين
يتابع زيارة الرئيس بورقيبة الى احدى المؤسسات الصناعية بسيدي بوزيد
الزعيم بورقيبة يتابع الامسية الثقافية التي قدمتها له
صورة نادرة تنشر لاول مرة
وفر لي القدر فرصة اللقاء ومصافحة الزعيم الراحل المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة، أول رئيس للجمهورية التونسية، في عديد المناسبات....وأعتبر أن ذلك كان من حظي، فأن تلتقي بزعيم فذّ في قيمة ومكانة الرئيس الحبيب بورقيبة فذلك شرف ما فوقه شرف... يحلم به أي كاتب ومثقف وإعلامي، خصوصا إذا كان ما زال في بداية الطريق... كانت المرة الأولى التي شاهدت فيها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة عن قرب في شهر نوفمبر سنة 1964 عندما جاء في زيارة إلى ولاية قفصة، وكنت سنتها تلميذا بالسنة الأولى من التعليم الابتدائي بالمدرسة الابتدائية، المكتب الكبير بقفصة المقابل لمقر ولايةة قفصة... كنا أطفالا صغارا، لا نفقه شيئا، عندما اصطففنا برفقة مدير مدرستنا المرحوم محمود بالناصر ومعلمنا المرحوم عبد القادر مامي وبقية المعلمين، أمام المكتب الكبير يرفع بعضنا الأعلام وصور الزعيم، لنرحب بالرئيس هاتفين ملء حناجرنا يحي بورقيبة... وقد توقف المجاهد الأكبر طويلا ليلاطفنا ويشكرنا، ويقبل البعض منا... تلك كانت المرة الأولى، التي شاهدت فيها بورقيبة العظيم عن قرب. وعدت إلى بيتنا أروي لجدّي وجدتي وعمي تفاصيل ذلك اللقاء مع الزعيم، وكيف سألني الرئيس عن إسمي وعن السنة التي أدرس فيها... وقد بقيت تلك الصورة الرائعة راسخة في ذاكرتي إلى اليوم... وكبرت كما كبر جيلي على صورة وصوت الزعيم من خلال الاستماع إلى خطبه
وتوجياهته عبر الإذاعة... وعبر شاشة التلفزيون فيمل بعد... وكنا ندرك ونحن أطفال صغار، أنه لولا بورقيبة الذي راهن على نشر التعليم فبنى المدارس في كل القرى والمداشر لما تعلم أغلب أبناء تونس.. فقد كان الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، يؤمن بأهمية الاستثار في العقول التونسية الدربة، فسعى إلى نشر التعليم وديمقراطيته ومجانيته... وكان هذا كاف ليؤكد مكانته في قلوبنا كزعيم مصلح فذّ... إلى جانب بناء المستوصفات والمستشفيات واستصلاح الأراضي وتعميرها.. كان بورقيبة في نظرنا نحن جيل الستينات هو أب العائلة التونسية الكبرى.. وحفظت من خطبته العديد من الفقرات عن ظهر قلب، لأن خطبه كانت تنفذ بسهولة إلى القلوب، نظرا لصدقها، كقوله "لقد حصنت تونس من كل الأخطار.. ولن يأتيها الخطر من بعدي، إلا من أبنائها".
والتقيت الزعيم بورقيبة وجها لوجه سنة 1976 عندما زار رحمه الله ولاية سيدي بوزيد بعد إحداثها بسنتين، ولم تكن زيارته الأولى لها، فقد كان زارها من قبل في ماي 1974 للإشراف على مهرجان الربيع وعيد العلوش... أما زيارته لها في شهر مارس سنة 1976، فقد كانت الثانية، وكلفت إلى جانب الزميل العزيز مختار اللواتي من إذاعة صفاقس بتغطية هذه الزيارة التاريخية للإذاعة الوطنية وإذاعة صفاقس، في حين تكفل الزميل الراحل محمد قاسم المسدي بتغطيتها للتفلزة الوطنية للنشرة العربية، شريط الأنباء، وكلف الزميل مختار الرصاع بتغطية الزيارة للنشرة الفرنسية بالتلفزة والمرحوم البشير طوال رفقة مجموعة من الزملاء الآخرين بتغطيتها لوكالة تونس إفريقيا للأنباء وتغطية زيارة رئيس دولة بالنسبة لصحفي شاب ما زال في بداية الطريق، وفي سنته الأولى صحافة، ليس أمرا سهلا ولا هينا،... وكان في برنامج زيارة الرئيس الحبيب بورقيبة، حضور برنامج ثقافي يومي يقدم فيه فنانون وشعراء من الجهة قصائد وأغان بين يدي الرئيس.. وقبل الزيارة بيوم دعاني والي سيدي بوزيد آنذاك السيد عبد الرزاق الأدب إلى مكتبه وأعلمني بأنه وقع تكليفي بتقديم البرنامج الثقافي أمام رئيس الجمهورية وأشهد ان الحدث رجني، وبقيت مبهوتا لدقائق قبل أن يصلني صوت السيد عبد الرزاق الأدب وهو يقول لي : "قد روحك عاد" وانتابني شعور هو مزيج من الخوف والرهبة والفخر، ووجدت نفسي أردد دون أن أشعر وأنا أغادر مكتب الوالي "أنا أقدم بين يدي بورقيبة برناماجا ثقافيا... ومن أين لي بالشجاعة لأقف أمامه وجها لوجه.. ومن يدريني لعلني أتلعثم ولا أجد العبارات المناسبة. وبت ليلتي تلك أفكر فيما سأقوله أمام الرئيس... وهل سأوفق أم سأفشل في هذه المهمة، فأجلب البلاء والسخرية لنفسي.
وحلت الساعة الموعودة، ودخل المجاهد الأكبر بطلعته البهية، رفقة عدد كبير من الوزراء والضيوف القاعة في موجة من تصفيق المدعوين وهتافهم بحياته. وكانت الفرقة الموسيقية قد أخذت مكانها قبالة الرئيس وكذلك الشعراء الذين سيتولون القاء قصائد شعرية بين يديه... ولما أخذ الرئيس مكانه تقدمت من المصدح ولا تفصلني عن الرئيس إلا خطوة واحدة أو أقل، لأرتجل المقدمة مرحبا بفخامته بين أبنائه في ولاية سيدي بوزيد الذين له معهم عشرة طويلة منذ سنوات النضال الأولى عندما وجدهم في الصفوف الأولى لتلبية نداء الواجب ومقاومة الاستعمار لتحقيق استقلال البلاد. ثم قدمت له الشاعر الأول الذي يحبه وهو الشاعر المرحوم الشاهد الأبيض الذي ألقى بين يديه قصيدا شعريا رائعا... وعدت إلى مكاني ولم أشعر إلا والصديق صلاح الدين الغابري الكاتب العام للجنة الثقافية الجهوية والمرحوم الأستاذ صالح الهويمل رئيس اللجنة الثقافية الذين كانا جالسين وراء الفرقة يشدان على يدي في إشارة منهما إلى نجاحي في تقديم الفقرة الأولى دون ارتباك أو تلعثم.. فأعطاني ذلك ثقة كبيرة في نفسي جعلتني أتجاوز حالات الارتباك في تقديم بقية الفقرات من شعرية وغنائية وموسيقية، إلى أن جاءت الفقرة الأخيرة وكانت أغنية تؤديها فتاة اسمها جمهورية، ومزجت بين اسمها ونضال الرئيس لتحرير البلاد وإزالة النظام الملكي الجائر وإعلان النظام الجمهوري وكيف أطلق الآباء اسم جمهورية على بناتهن تيمنا بهذه الجمهورية العادلة.... وها هي إحداهن تتغنى بين أيديكم يا صانع الجمهورية بمكاسب النظام الجمهوري العتيد... ولم أكد أنهي تقديم الفقرة إلا وموجة من التصفيق من الحاضرين تملأ أرجاء القاعة يعقبها الهاتف بحياة الزعيم يحي بورقيبة في سمفونية متواصلة لمدة دقائق. انتهت الأمسية الثقافية فدعاني الرئيس ليشكرني ويسدي لي عبارات التشجيع... كانت لحظات لا أنساها أبدا ما حييت...
أما اللقاء الأهم مع الزعيم الحبيب بورقيبة في حياتي، فقد كان في شهر أوت من سنة 1985 في قصر صقانس بالمنستير، عندما قدمت إلى فخامته العدد الأول من جريدة مرآة الوسط التي أسستها بولاية سيدي بوزيد كأول جريدة جهوية تصدر بالوسط الغربي، وكان ذلك في شهر ماي من نفس السنة... رتبنا اللقاء مع السيد منصور السخيري الوزير مدير الديوان الرئاسي... وكانت لحظة لا أنساها أبدا عندما قدمت إلى فخامته العدد الأول من الجريدة، فسرّ بها كثيرا وتمنى لي ولها النجاح، وقال أن سيادته بدأ نضاله في مقاومته الاستعمار وتوعية الشعب عن طريق الصحافة عندما أسس جريدتي العمل والاكسيون وهو يؤمن بدور الصحافة الجهوية في التوعية والتثقيف والتكوين.
خرجت من ذلك اللقاء مع الزعيم الحبيب بورقيبة مزهوا... وتوفرت لي بعد ذلك فرص أخرى لمقبلة فخامته، أهمها دعوتي لتقديم البرامج الثقافية التي تعدها الولايات لعرضها بين يديه في مقر إقامته بنزل نفطة بالاص في فترة الخريف وبداية الشتاء. وأعتبر نفسي محظوظا أن القدر وفّر لي فرصا متعددة وأنا في بداية حياتي في عالم الصحافة للالتقاء بزعيم فذّ من زعماء القرن العشرين الزعيم الراحل المجاهد الأكبر الرئيس الحبيب بورقيبة الذي له في قلوب أغلب التونسيين مكانة لا تعلوها أي مكانة أخرى ولم يبلغها من قبله أو من بعده أي زعيم آخر أو رئيس... إن كان بعده زعماء طبعا ! ؟؟
------------------------------ ------
كاتب وصحفي من تونس
مدير جريدة قمر نيوز
إرسال تعليق