يوم قال لي المرحوم محمد مزالي ... شد صحيح

حياتي في الصحافة... من الهواية الى الاحتراف

يوم قال لي المرحوم محمد مزالي ... شد صحيح


بقلم محمود الحرشاني

Mahmoud Horchani
كاتب واعلامي من تونس 

كاتب المقال مع الاسناذ المغكر محمد مزالي




عرفت المرحوم الأستاذ الكبير محمد مزالي من خلال مجلّة الفكر الغرّاء التي كنت اطالع أعدادها بانتظام من خلال تردّدي على المكتبة العمومية ابن منظور بقفصة في بداية السبعينات وكان رف المجلاّت يغريني لأنّه كان مزدانا بعناوين المجلاّت التي كانت تصدر في بلادنا مثل مجلاّت "القلعة" و"الوفاء" و"مرآة الساحل" ومجلّة الاذاعة ومجلاّت أخرى كثيرة الى جانب عديد المجلاّت الأجنبية مثل مجلّة "جون افريك" و"استوريا" وكنت اقبل على مطالعة ما تتضمّنه هذه المجلات بنهم كبير و قليلا ما امرّ الى مطالعة الكتب وكانت تشدّني مجلّة الفكر بدسامة محتواها وخصوصية شكلها رغم انّني لم اكن افهم جيّدا بعض ما تتضمّنه من دراسات وأبحاث وخطر لي ان اراسل المجلّة ببعض المحاولات الأولى فوجدت الاشارة الى اسمي بالحرفيين الاولين من الاسم واللقب في العدد الموالي من المجلّة مع دعوة الى مزيد صقل النص والاشتغال عليه وعدم التسرّع في النشر وانتظار أن تتضح التجربة اكثر.
وصادف ان جاء الاستاذ محمد مزالي وكان وقتها وزيرا للصحّة على ما اتذكّر للإشراف على مؤتمر شعبة قريتنا التابعة للحزب الاشتراكي الدستوري وكان مرفوقا بعدد كبير من المسؤولين في مقدّمتهم والي قفصة.
وحضرت المؤتمر الى جانب والدي وأهالي قريتنا وكنت وقتها تلميذا في السنة الثانية من التعليم الثانوي ولمّا فتح النقاش طلبت الكلمة وتدخّلت، وقتها كان الاستاذ محمد مزالي يخوض معركة ما سمّي أنذاك بالتونسة والتعريب وأثرت في تدخّلي هذا الموضوع وارتباطه يالمنظومة التربوية ومردود المؤسسة التربوية في حدّ ذاتها والخطر من أن تنتج لنا المدرسة أجيالا غير قادرة على التعامل مع الآخر، عندما نغلق أبواب التواصل مع الثقافات العالمية أمام هذه الأجيال ... وعندما أنهيت تدخّلي دعاني الأستاذ محمد مزالي وأجلسني الى جانبه وأذكر أنّه خصّص الجانب الأوفر من خطابه الّذي ألقاه بالمناسبة وعقب فيه على التدخّلات لشرح مسألة التونسة والتعريب وأبعادها السياسية والثقافية والتربوية وكان بين الفينة والأخرى يذكّر بتدخّلي ويقول مثلما قال الأستاذ محمود فيصفّق الحاضرون انتشاءا.
وبعد انتهاء المؤتمر كانت لي معه محادثة بحضور والدي رحمه الله ورئيس الشعبة ااصديق الفاضل صميدة الحرشاني والسيّد والي قفصة الستاذ محمد التريكي اثلجت صدره ووعدني بأن يرسل لي مجموعة من أعداد مجلّة الفكر وبعض الكتب لمطالعتها وفعلا وفى بوعده.
كان هذا هو اللقاء الأوّل مع الاستاذ محمد مزالي المفكّر التونسي الأصيل وصاحب مجلّة الفكر التي استمرّ صدورها لمدّة ثلاثين سنة ... وكان النشر في مجلّة الفكر يعد بطاقة عبور الى الحياة الثقافية والأدبية نظرا لمكانتها وعراقتها ...وتوفّرت لي فرصة النشر في هذه المجلّة في ثلاث مناسبات، وفي احدى المرّات اشارت الى مقالي على صدر غلافها الأوّل مع جملة المواضيع الهامّة التي يتضمّنها العدد ... وفرحت كثيرا بذلك وتذكّرت المرّة الأولى التي راسلت فيها المجلّة واكتفت بالإشارة اليّ بالحرفين الأوّلين من اسمي ولقبي ليتصدّر اسمي وعنوان مقالي بعد سنوات غلاف عدد من اعدادها !؟
وتكرّرت لقاءاتي بالأستاذ المرحوم محمد مزالي عندما اشتغلت في الصحافة، وكلّفت بتغطية زيارته واجتماعاته بعديد الجهات من الجمهورية ... وكان من عادة الأستاذ محمد مزالي أن يصحب معه المرحوم الاعلامي الكبير أحمد بوغنيم ليتولى تلخيص خطاباته وأحمد بوغنيم يكتب باللّغة الفرنسية وهو صحفي قدير ما في ذلك شكّ... ويحلو للمرحوم الاستاذ محمد مزالي ان يقدّم أحمد بوغنيم الى الحاصرين في الاجتماعات التي يشرف عليها بلقب عميد الصحافيين العرب، فيسرّ أحمد بوغنيم بذلك ويقف لتحية الحاصرين عندما يصفّقون ترحيبا به.
وبما أنّني كنت معتمدا من قبل وكالة تونس افريقيا للأنباء والإذاعة الوطنية لتغطية الاجتماع فقد كنت ارفض ان يتم منعي من القيام بعملي ولو كان احمد بوغنيم حاضرا ... فكان ذلك يسعد الاستاذ محمد مزالي ويجد فيه مناسبة لإثارة غضب أحمد بوغنيم واسفزازه ويقول له مازحا طاح بيك صاحبك وكان الحل أن نتقاسم العمل فيقوم  أحمد بوغنيم بالتغطية باللّغة الفرنسية وأتولّى انا التغطية باللّغة العربية
وعندما تولّى الاستاذ محمد مزالي مهام الوزراة الأولى كان من أولى مبادراته اقرار برنامج لدعم الصحافة الجهوية وأشرف على أوّل ندوة وطنية للنهوض بالصحافة الجهوية والإعلام الجهوي انتظمت ببنزرت في شهر جويلية 1985 وحضرنا تلك الندوة التي اكّد فيها الاستاذ محمد مزالي على أهمّية الدور الموكول الى الصحافة الجهوية ووصف المسؤولين عنها بالمناضلين والروّاد وذكرني بالاسم منوّها بمجبة مجلّة مرآة الوسط وقال انّه يعرفني منذ كنت طفلا صغيرا متحمّسا ومليئا بالطموح وأذكر أنّه عندما اصبح الاستاذ محمد مزالي ووزيرا أوّل سنة 1980 وقام بزيارة الى ولاية سيدي بوزيد في شهر جوان 1985 حرص على أن يخصّني بمقابلة دامت حوالي نصف ساعة حدّثته فيها عن احوال الجريدة وأطلعته على ما يعترضها من صعوبات ولكن ايضا ما أنا عليه من حماس لتجاوز هذه الصعوبات ... فقال لي وقتها المهمة  ليست سهلة وأعرف ما تكابده من صعوبات ولكن// شد صحيح  // رد بالك تفشل وأضاف قوله : أنا ايضا واجهتني نفس الصعوبات عندما اسست مجلّة الفكر سنة 1955 وقلّتهم الّذين كانوا ساعدوني ولكن مع ذلك شدّيت الصحيح ولم اعبأ بكلام الفاشلين سيخلّد التاريخ نضالك في سبيل ضمان الاستمرار الاوّل مجلّة جهوية في الوسط الغربي.
وعندها ستنتهي كّل الصعوبات. وتبقى مجرّد ذكريات جميلة

comments

أحدث أقدم