هواء طلق
مأساة فتاة تبحث عن الحقيقة
*بقلم محمود الحرشاني
لم يكن أمام ابنة الواحدة والعشرين إلا أن تنهار بالبكاء أمام إنكار والدها نسبها إليه في حين تصر هي على أنّ الرّجل الجالس في الجانب الآخر من الأستوديو هو والدها الحقيقي، وإنها من صلبه وقد كانت في أحشاء والدتها لما طلّقها هو... رغم تأكيده على انّه لمّا طلّق والدتها لم تكن حاملا... وازداد المشهد دراماتيكية لها اتّصلت الأمّ بالهاتف لتؤكّد إنّها كانت حاملا بالفتاة في شهرها الرّابع لمّا طلّقها زوجها الّذي يصرّ على اكار نسب الفتاة الباكية اليه والتي تطالب بحقّها في الأبوة الشرعية من الأب المزعوم... وأمام إصرار كل طرف على موقفه انهارت الفتاة والتجأت إلى دموعها تخفّف بها وقع المفاجأة عليها والمأساة التي وجدت نفسها فيها.
حدث هذا في برنامج تلفزي وتابع الملايين المشاهدين القصّة على الهواء مباشرة في برنامج عندي ما انقلك والأكيد أنّ عددا كبيرا من المشاهدين تعاطفوا مع الفتاة و مع مأساتها التي ازدادت عمقا بعد أن خرجت إلى العلن.
مثل هذه القصص المؤلمة تحدث بكثرة مع الأسف في مجتمعنا التونسي وفي مجتمعات عربية كثيرة والأكيد أن الخيط الرّابط بين كلّ هذه القصص هو ما يشعر به الابناء من تمزّق بعد أن يتفطّنوا إلى ما يعانونه من مأساة... لقد تكلّمت الفتاة بحرقة وقالت أنّها تريد أن تتخلّص من عقدة إنها بلا أب وأنّها مجهولة النّسب. والعملية مرتبطة باعتراف والدها بحقيقة قد تغيّر واقع حياتها... إلا أنّ الأب أصر على الإنكار فزاد في جرح الفتاة، حتى أنّ مقدم البرنامج كاد ينهار بدوره وهو يعترف بأنّه يواجه أصعب لحظة في حياته، أمام إنكار أب لأبوّة فتاة من صلبه وإصراره والدة الفتاة على انها من صلب والدها وكانت نطفة في أحشائها لمّا طلّقها... وتعلّق فتاة مراهقة بمعرفة حقيقة نسبها...
يبدو إن الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي تعيشها بعض العائلات لها دور في حصول مثل هذه المآسي ... وكان على الأب الّذي كان يعرف انّه كان متزوّجا من أم هذه الفتاة ولو لمدّة قصيرة، إن ينقذ الفتاة من جحيم مأساتها وأن تكون له الشجاعة ليعترف بأبوته لها طالما انّه متأكّدا من حمل زوجته منه.
أمّا الفصل الثاني من هذه المأساة فهو اشد وطاة ويتمثل في المرور إلى مرحلة التحليل الجيني لإثبات نسب الفتاة إلى والدها. خصوصا بعد أن أصرّت الأم على أن ابنتها هي من زوجها الّذي لم يعمر زواجها منه طويلا وهو يريد أن يتخلّص من تبعات ذلك الزواج بما فيه الاعتراف بأبوّة ابنته، التي تعمق مسألة نتائج التحليل الجيني مأساتها حتى ولو أثبتت نسبها للرجل الّذي أصرّ على الإنكار لآخر لحظة.......
*كاتب ومحلّل سياسي من تونس
رئيس تحرير جريدة قمر نيوز
إرسال تعليق