مقال رئيس التحرير


قهواء طلق

بقلم *محمود الحرشاني


ولادات خارج إطار الزواج القانوني
لابد أن ندقّ ناقوس الخطر أمام تفشّي ظاهرة الزّواج خارج الأطر القانونية، وما يترتّب عنها من تبعات أخلاقية وقانونية تهدّد سلامة المجتمع وتفكّكه، وأخطر ما ينجم عنها هو حصول ولادات خارج إطار الزواج أو في إطار زواج هش غير قانوني لا يضمن حقوق المولود في أن يكون له أب شرعي أو تترعرع وتنشأ فيوسط عائلي طبيعي ... لقد صدمني الرّقم الّذي قرأته هذه الأيام من أنّ 1500 ولادة في تونس تتمّ خارج  إطار الزواج، أي نتيجة نزوات بين المرأة والرّجل واغلبهم من الشباب والفتيات اللّذين لا يقدّرون جيّدا عواقب هذه النزوات.
وتكون النتيجة حصول ولادات لأبناء مجهولي النّسب عادة وتشرّد الأم الّتي عادة ما تجد نفسها مرفوضة من قبل عائلتها بعد ارتكابها لهذا الجرم... وينتج عن ذلك ضياع لهذا الفتاة الّتي قد تنقاد في لحظات ضعفها وتيهها إلى ارتكاب أخطاء أخرى أو الارتماء في عالم الرّذيلة والمحظور نتيجة ما تتعرّض له من خصاصة... وأظهرت الإحصائيات أن عددا كبيرا من الفتيات اللّاتي يجدن أنفسهن أمّهات لأطفال خارج إطار الزواج الشرعي، عادة ما يكتشفن أنّهنّ خدعن نتيجة كلام معسول ووعود وهمية بالزواج وأن الطرف الثاني أي الشاب أو الرّجل عادة ما يكون من ذوي السوابق العدلية أو مورّطا في قضايا خطيرة وعادة ما تكون نهايته في السّجن. فإذا بهذه الأم التي تخلّى عنها شريكها تجد نفسها في مواجهته مصير مجهول بعد أن تكشف أن الثاني الّذي أسلمت له نفسها من ذوي السوابق العدلية أو في السجن...
ويبدو أن الأحياء الفقيرة وأحزمة المدن الكبرى، مازالت الفضاء الملائمة لحصول مثل هذه الحالات، نتيجة انعدام ثقافة جنسية واضحة للفتاة تحميها من الوقوع في المحظور وكذلك نتيجة ما تعانيه الأسر والعائلات في هذه الأحياء من خصاصة وفقر فتنساق الفتاة والمرأة وراء وعود كاذبة بالزواج ترى فيها المخرج من حالتها المادّية الصعبة.
وأظهرت إحصائيات قام بها الديوان الوطني لأسرة والعمران البشري، وأشارت إليها جريدة الصّريح في تحقيق مطوّل لها اليوم، إن إقليم تونس الكبرى بولايته الأربعة يتصدّر بقية الجهات أو الولايات في تسجيل أكبر نسب ولادة لأطفال خارج إطار الزواج وكذلك إقليم ولايات الساحل، وقد يكون لانتشار المصانع والمعامل في هذه لولايات وقدوم العديد من الفتيات من الولايات الدّاخلية الأخرى للعمل في هذه المصانع، دور في هذه المسألة، إذا عادة ما تقع الفتاة فريسة الوعود الوهمية بالزواج والاستقرار العائلي وما أن يتمّ ارتكاب المحظور حتّى يفرّ الطرف الثاني ويذوب كالملحة ويترك الفتاة تواجه مصيرها...كما أظهرت إحصائيات أخيرة تفشّي ظاهرة الحمل والولادة خارج إطار الزواج في الوسط المدرسي والجامعي، وهي ظاهرة تؤكّد الأرقام أنها في انتشار مستمرّ وهو أمر غريب حقّا... !!! ويدعو الى وقفة تأمّل.
انّه لا يمكن في اعتقادنا معالجة هذه الظّاهرة خارج جملة من الأطر منها الانكباب بجدّية على دراسة تبعات الزواج العرفي الّذي بدأ ينشر في تونس مع الأسف والتساهل في ربط العلاقات الجنسية والمحرّمة في الأوساط الجامعية والمدرسية.
لا بد أن ينهض المجتمع المدني من جمعيات ومنظّمات لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة، وان تكون لنا رؤية واضحة في نشر ثقافة جنسية خاصّة لدى فتيات المعامل والمصانع والأحياء الشعبية للحيلولة على الأقل من حصول الحمل في حالة ارتكاب المحظور والتفطّن إلى خطورة الزواج العرفي الّذي يتيح عنه أبناء بلا نسب أو هوية يعانون بقية أعمارهم من عقد نفسية واجتماعية
*كاتب ومحلّل سياسي من تونس
  رئيس تحرير جريدة قمر نيوز

comments

أحدث أقدم