هواء طلق
بقلم محمود حرشاني
في ذكرى استشهاد الشيخ السياسي الحسين بوزيان
كان أوّل ضحية اغتيال سياسي في تونس في عهد الاستقلال
تمرّ خلال هذا الشهر مارس ذكرى التاسع و والخمسون لاغتيال الشيخ السياسي الحسين بوزيان، الّذي اغتيل في السادس والعشرين من شهر مارس سنة 1956، بعد انتخابه بيوم واحد عضوا بالمجلس الوطني التأسيسي. وبذلك كان أوّل سياسي تونسي يتمّ اغتياله في عهد الاستقلال وهنا أصحّح معلومة تاريخية، وقع فيها الكثيرون عندما قفزوا من حادثة استشهاد فرحات حشّاد إلى حادثة اغتيال صالح بن يوسف وانتهاء بحادثة اغتيال شكري بلعيد الأخيرة، دون المرور بحادثة اغتيال الشيخ السياسي الحسين بوزيان، ولو بمجرّد إشارات صغيرة من هذا الطرف أو ذاك !!!!
لقد كان الحسين بوزيان الّذي كان شيخا مدرّسا بالفرع الزيتوني بقفصة أحد أركان الحركة الوطنية في جهة قفصة وخصوصا في مسقط رأسه منزل بوزيان وولاية سيدي بوزيد، وكان من المتشبّعين للفكر والمنهج البورقيبي ويتبنّى كامل أطروحاته، وعلى خلاف تبعا لذلك مع التوجّه اليوسفي، ولذلك كان أنصار ما كان يسمّى "بالأمانة العامّة" نسبة إلى الزّعيم صالح بن يوسف الّذي كان يشغل خطّة الأمين العام في الحزب المؤطّر للحركة الوطنية يناصبونه العداء ولا يلتقون معه لا في الأفكار ولا في الرّؤى ولا في التوجّهات.
كان هو متميّزا منتسبا لتوجّهات الزّعيم الحبيب بورقيبة ومناصرا له ولخطّه السياسي خصوصا عندما نشب الخلاف بين الزّعيمين بورقيبة وبن يوسف حول مسألة الاستقلال الداخلي التي كان يرى فيها الزعيم يوسف خطوة إلى الوراء ويرى فيها بورقيبة كسبا عظيما وخطوة أساسية تمهّد للاستقلال التام.
لست مؤرّخا، لألمّ بكلّ المعطيات ذلك الخلاف وبمدى تأثيره في الساحة الوطنية، واعتمدت في كتابة هذا المقال على ما جمعته من شهادات من مناضلين عاشوا تلك المرحلة ومنهم المناضل الكبير الهادي بكّوش أحد رفاق الحسين بوزيان، وسجن معه وكذلك المناضل الرّاحل الطيّب السحباني وغيرهما من المناضلين الصّادقين، وقد اجمعوا كلّهم علة أنّ الحسين بوزيان كان يتمتّع بمكانة كبيرة من جهة قفصة والهمامة عموما وكانوا يعتبرونه زعيمهم، وكان يتمتّع بثقافة عالية فهو أستاذ بالفرع الزيتوني، وكان أيضا يتمتّع بقدرة كبيرة على الخطابة والإقناع، قد يكون اكتسبها من نشاطه في صلب جمعية ابن منظور القفصي التي أسّسها الكاتب الكبير أبو القاسم محمّد كرّو أواخر الأربعينات من القرن الماضي، وكان .شغوفا بفن المسرح، وقد عثرت على هذه المعلومة في بعض كتب الأستاذ أبو القاسم محمد كرّو وأهّلته هذه المواهب إلى أن يكون عضوا بالمجلس الملّي للحرب وكان أحد أعمدته البارزين والمجلس الملّي لمن لا يعرفه هو الشبيه بالمكتب الموسّع للحزب.
وعندما اشتدّ الخلاف بين الزعيمين بورقيبة وصالح بن يوسف (وهنا انقل معلومة تاريخية لست طرفا فيها) رواها المناضل الرّاحل الطيّب السحباني كلف كلّ منهما مفاوضا عنه للوصول إلى رفاق بينهما، فكلّف الزعيم بورقيبة الشهيد الحسين بوزيان وكلّف الزعيم صالح بن يوسف المناضل يوسف الرويسي وقيل أن الرجلين ابليا البلاء الحسن في المفاوضات وكاد يوفّقان إلى تذليل كلّ نقاط الاختلاف بينهما، إلاّ أنّ طرفا ثالثا تدخّل على الخط وأجهض تلك المفاوضات...
وعندما انتظمت انتخابات أوّل مجلس وطني تأسيسي في 25 مارس 1956، كان الشيخ الشهيد الحسين بوزيان من بين الفائزين في هذه الانتخابات على قائمة الوحدة الوطنية الّتي يدعمها الحزب الدستوري بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة ولكن يد الغدر امتدّت له في اليوم الموالي، لتغتاله في واضح النّهار وعمره 32 سنة علما بأنّه من مواليد 18 ماي 1925 وقد انتظمت له جنازة رهيبة خرج فيها أكثر من 10 ألاف تونسي مشى في مقدّمتها الزّعيم الحبيب بورقيبة الّذي أبّنه بكلمة بليغة وأعلنت قفصة الحداد وأغلقت جميع المتاجر والمؤسّسات وتعطّل العمل حزنا على فراقه واغتياله.
****************************
ملاحظة: سأقدّم الكثير من المعطيات والوثائق حول الشيخ الحسين بوزيان في كتاب أعدّه عنه للنشر.
إرسال تعليق