من ذكريات الصيف بقلم محمود حرشاني

 من ذكريات الصيف


بقلم محمود حرشاني





كلما حل فصل الصيف بحراراته التي لا تطاق تذكرت اشياء ؤجميلة بقيت راسخة بالذاكرة من ايام الطفولة في قريتنا البعيده.. هناك في قرية الواعرة التي تسند ظهرها لسلسلة جبال الظاهر التي تقف فاصلا بين قريتنا وقرية حاسي الفريد التابعة لولاية القصرين..ووتعالى في شموخ وكبرياء فهي الجارة الشرعية لجبل سيدي عيش الاشم الذي شهد اعنف واخر المعارك الوطنية والحق فيه المقاومون والمجاهدون كما تقول جدتي زعرة رحمها الله جيش المستعمر هزيمة نكراء.. فقد كانت معركة حمي فيها الوطيس ودامت ثلاثة ايام وكبد فيها الثوار جيش الاستعمار خسائر فادحة في الارواح والمعدات فاندحر خائبا ململما هزيمته..
تروي لي جدتي كيف كانت // الطانقوات // وسيارات الجيش تعبر قريتنا في سرعة جنونية ذهابا وايابا طيلة ايام المعركة لايصال المدد او لنقل الجرحى والموتى ..
يا لقريتنا الصامده كم عرفت من معارك ولا يوجد منزل في قريتنا لم ياوي يوما المجاهدين والثوار..كان الثوار كما تسميهم جدتي و الذين يتحصنون بالجبال المحيطة بقريتنا يرسلون احدهم الى من يختارونه من السكان ويقولون له // عشاء الثوار عندك الليلة //فيهب كل سكان القرية لمساعدة صاحب المنزل لاعداد وجبة طعام الثوار في كنف السرية بدءا من ذبح خروفين او شاة كبيرة واعداد قصاع الكسكسي وورقائق الكسرة ومرقة الدجاج العربي حتى اذا جن الليل بدا الثوار يتوافدون على المنزل على دفعات ويتركون دائما من يقوم بحراسة المنزل والتنبيه عند الضرورة..
اكتسبت قريتنا صفة القرية المناضلة..
وهي بهذا فخورة ويفخر بهذا ابناؤها ايضا واردا عن تالد..
الصيف في قريتنا له نكهته الخاصة..فهو موسم جني المحاصيل الزراعية بعد جني محاصيل القمح والشعير وتكديس المحاصيل في البيدر وما الن ينتهي الفلاحون من جمع المحاصيل حتى يبدا موسم فصل القمح والشعير عن التبن وهو يوم مشهود في تاريخ القرية.وعادة ما يكون صاحب النورج الذي يقوده فرسان قد ضبط قائمة في اسماء الفلاحين..ويفرح الاطفال بقدوم النورج فهم يتقربون الى صاحب النورج بالهدايا ليركبهم في النورج وهو يدور على البيدر لدك اكمام سنابل القمح او الشعير ليفصل حبوب القمح عن التبن.. وكثيرا ما كنا نتساقط لاننا لا نستطيع ان نضبط انفسنا فنقع من النورج على البيدر وقد كسته سنابل القمح..
ثم ياتي بعد ذلك موسم جنى محاصيل اللوز فيكون فرصة لنا نحن اطفال القرية لنجمع بعض المال مقابل اشتغالنا مع الفلاحين في جمع المحاصيل وحفصل حبات اللوز عن القشرة الخارجية بعد ذلك وهو عمل مظز .. كثيرا ما كنت اتهرب منه..وكان والدي يقول لي انك لا تريد ان تشتغل كما يشتغل اندادك. ..فكانت والدتي تجيبه .ابني لم يخلق ليشتغل مقابل كمشة لوز يسلمها له الفلاح بعد عمل مظن..
كنت اقضي وقتا طويلا في في حقظ القران حتى حفظت الربع وانا لم ابلغ بعد السادسة من العمر فاقامت لي والدتي وجدتي حفلا.واذكر انني كنت امر على المنازل مستظهرا بلوحتي وقد ختم عليها مؤدب القرية انني حفظت ربع القران..فتح لي ذلك مجال المطالعة فكنت اقرا كل ما يفع بين يدي من كتب عمي وما هو موجود في كراريسه من قصائد واشعار ونصوص..اذكر انني قرات قصائد الشابي الصباح الجديد واشعار صفي الدين الحلي وعلى جرزلله ونصوص المنفلوطي وعبد القادر المازني وطه حسين.. ولما اشترى لنا الوالد اول جهاز راديو واذكر انه كان من نوع فيليبس اتخذته صديقي ورفيقي وشغفت بالاستماع الى الاذاعات ومراسلتها.حتى كونت اول ناد لمستمعي اذاعة برلين العالمية في قريتنا.. ويا لفرحتنا ونحن نستمع الى اذاعة برلين تعلن بعد ايام عن تاسيس نادينا وتذكر اسماءنا نحن اعضاء النادي..

وللحديث صلة غدا
محمود حرشاني
25 جويلية 2024
الصورة المرحوم صالح والدي

comments

أحدث أقدم