الموقف السياسي يكتبه عبد اللطيف الفراتي هل تسير تونس نحو انتخابات سابقة لأوانها؟



الموقف السياسي

يكتبه عبد اللطيف الفراتي



هل تسير تونس
نحو انتخابات سابقة لأوانها؟

تصفحت كتابا وجدته وأنا بصدد تنظيم مكتبتي الزاخرة بأكثر من 5000 كتاب ، من بينها 250 كتابا إهداء ، من بينها 6 أو 7 كتب من إهداء رئيس الجمهورية الأسبق الدكتور منصف المرزوقي أيام صداقتنا الوثيقة ، استرعى الكتاب انتباهي لأنه من تأليف كارلوس غصن ، والذين لا يعرفون كارلوس غصن فهو القابع حاليا في سجنه في اليابان ، بتهمة الفساد بعد أن كان رئيسا مديرا عاما لرينو ونيسان ، وكان في اعتقادي أن الرجل كان مفترضا أن يتم تكريمه في طوكيو ، فلقد استنجدوا به قبل أكثر من عقد فأنقذ من إفلاس محقق شركة السيارات "نيسان " وجعل منها والتي كانت مهددة بالاختفاء واحدة من أكبر ثلاثة مصانع سيارات في العالم.
قرأت ما مفاده في هذا الكتاب أن الاقتصاد علم ، وأن هذا العلم له قواعده ، وأن معادلات تلك القواعد ، تؤدي إلى نتائج معلومة بصورة مسبقة.
سألت نفسي : " لماذا نحن في تونس ، لا نتعلم مما يقول الناجحون ، ولماذا لا ندرس أسياب نجاحهم؟
في بدايات 2015 أصبت بخيبة أمل مرة عندما استدعى رئيس الجهورية الباجي قائد السبسي الحبيب الصيد ليرأس الحكومة في بلد ينص دستوره على أن مرتكزه الأكبر هو رئاسة الحكومة ، أذكر أني كتبت أيامها في مثل هذا الباب وفي مثل هذه المدونة ، وهو ما تم نشره لاحقا في عدد من الصحف في الداخل وفي الخارج :
"لقد اختار رئيس الجمهورية حذاء على قدر مقاس رجله يأتمر بأوامره ، وهو ما فعله مرة أخرى مع يوسف الشاهد ، وما حصل للمرة الثالثة عندما اختار راشد الغنوشي الحبيب الجملي ، ليكون رئيسا للحكومة ، في بلد يحتل فيه هذا المنصب المكانة المركزية في الحكم حيث ، تتجمع تفاعلات القرار بين يديه ، وبين يديه بالأساس".
وإذ لي تصور عن الملامح الرئيسية للحاكم الفعلي لأي بلد ، وخاصة إمساكه بتقنيات معينة ، تؤدي إلى نتائج إرادية ليست مصادفة ، فإني منذ اليوم الأول لتعيين راشد العنوشي للجبيب الجملي ، اقتنعت بأمر أساسي ، وهو أن من بيدهم القرار السياسي الأول ، سواء كان الباجي قائد السبسي أو اليوم راشد الغنوشي ، لم يكم من بين همومهم إخراج البلاد من محنتها ، وتدهور مقدراتها الاقتصادية وبالتالي وضعها الاجتماعي المهدد اليوم بكل الأخطار.
سؤال طرحته على نفسي منذ 5 سنوات ، وأعدت طرحه على نفسي قبل شهر ونيف ، وهو ما إذا كان القصد هو إنقاذ البلاد مما تردت إليه من حالة بلغت اليوم وضع اليأس إن لم يقع تدارك سريع.
وبعد قراءة كارلوس غصن ، وما أعرفه بكل تواضع ، فإني لم أر في اختيار لا الحبيب الصيد ولا يوسف الشاهد ولا الحبيب الجملي الاختيار الوفق ، واستنتجت وأرجو وبحرارة أن أكون مخطئا فخطئي وأنا من أنا تواضعا وزهدا في المسؤولية ، حتى عندما عرضت علي، ليس مهما ، بقدر أهمية من يتولى المسؤولية الأولى في البلاد ، ممن ينبغي أن يكون مسلحا بالمعارف التي تمكنه ، من تصورات الرؤى الكفيلة بالوصول إلى نتائج مبرمج لها ومعروفة واضحة في ذهنه ، ونحن في تونس لا ينقصنا الرجال و لا حتى النساء ، من الحاملين لقدرات عالية من طاقات استقراء الواقع ، واستنتاج أحواله ، وبالتالي تشخيص الأدواء ، ومنها وصف الدواء.
وعندما استقال زياد العذاري من كل مواقعه العالية في حزب النهضة ، رغم اختلافي المبدئي مع هذه الحركة ، التي دافعت عنها بشراسة عندما حق الدفاع و تحملت صاغرا ما نالني نتيجة ذلك الدفاع ودفعت الثمن راضيا ، شعرت أني أقف معه على نفس الموجة ، فهو بوطنيته المنغرسة في أعماق أعماقه كما قيل لي لاحقا ، لم يرض أن توكل مهمة القيادة الفعلية للبلاد بين أيد اعتقد وأعتقد معه أنها لن تكون في مستوى ، إدراك ما يجب أن يدرك والتحول إلى اتخاذ ما يلزم من قرارات ، لا بد أن تتخذ في أعلى مستوى ، باعتبار أن رئيس الحكومة هو أشبه بقائد الأوركسترا ، في غيابه يحضر النشاز .
وإذ أصابني ليلتها الأرق ، فلم يجد النوم طريقا إلى جفوني ، ولم أستطع ليلتها أن أطالع والمطالعة عي هوايتي المفضلة منذ الطفولة ، ولم أستسغ فيلما أشاهده ولا استطعت متابعة قطع موسيقية عربية أو غير عربية ، كلاسيكية أو خفيفة ، فإن خوفا أصابني بشأن مستقبل البلاد ، وليس مستقبلي فأنا في أرذل العمر ، ولكن أبنائي وأبناء الآخرين ، الذين أصابهم اليأس من البلاد ومستقبلها ، وبات أملهم الوحيد أن يتركوها ما استطاعوا لذلك سبيلا.
انقضى شهر من التكليف المتأخر ( كان ينبغي أن يعين الجملي في 6 أكتوبر يوم ظهور النتائج الأولية للإنتخابات التشريعية لا في 8 نوفمبر أوما بعده وبعد ظهور النتئج النهائية)، وأعطيت للحبيب الجملي فرصة تشكيل الحكومة ، بلا رؤيا ولا بصيرة ولا أفق ، ولا حرية حركة ، وتم رميه في الماء وهو لا يحسن السباحة ، فلا هو ذو تجربة ، ولن تسعفه مكتسبات سياسية واضحة ولا اقتصاية اجتماعية مركزة ، ولا يتمتع بأي كاريزما ، ففشل في تشكيل الحكومة ، وباستمرار الضبابية وعدم وضوح الرؤيا وتقييد يديه ورجليه من طرف النهضة ، فهل سيستطيع في شهر آخر تشكيل حكومة تفوز بـ109 أصوات في البرلمان هي في حد ذاتها غير كافية.
وبالتركيبة الحالية لمجلس نيابي مشتت هل يستطيع بعد فشل مبرمج للجملي ، أن تتوفر فرصة أفضل لمن يحتمل أن يعينه رئيس الدولة ، وهل ستكون حظوظه أكبر ، وإلا هل سنذهب لانتخابات جديدة مكلفة في شهر جوان أو جويلية المقبل ، ولا من يقول بأن نتائجها ستكون أفضل أو أقل تشتتا ، وعندها نبقى تحت وطأة حكومة تصريف أعمال كانت رمزا للفشل حتى في زمن سطوتها واكتمالها بوزراء أصليين لا بالنيابة .
fouratiab@gmail.com

comments

أحدث أقدم