قراءة في كتاب حب .. وحرب للكاتب أحمد يحي الجدعة بقلم الأستاذ محسن الحبيب





قراءة في كتاب حب .. وحرب للكاتب أحمد يحي الجدعة

بقلم الأستاذ محسن الحبيب



مجموعة قصصية للمبدع الشاب أحمد يحي الجدعة، ضم الكتاب المتوسط المقياس (13.5 × 21.5 صم) 98 صفحة. عنوانه هو عنوان القصة الخامسة من قصصه البالغ عددها (12) بعد الإهداء : (إلى كل يد طيبة امتدت بالخير، وما زالت تمتد به معطاء، لا تكل ولا تنثني، بغض النظر عن كونها لأي ساعد تنتمي) وصدر الكتاب في الثلاثية الثانية من هذه السنة (2012) عن مطبعة "سوجيك" صفاقس (تونس)، وجاء صقيل الصفحات الناصعة البياض، المتناسقة الفقرات، المسايرة لتدرج الأحداث والمشيرة لتحولاتها دون انفصام بينها.. وغلب على الرؤى التفاؤل رغم القتامة والقسوة والخيبة وحتى الضياع والفراق المختلف المراتب، قال الأب ذات يوم لابنه وهما في (الممر عنوان آخر القصص) الذي ألفاه واحتضن أسرارهما وآهاتهما وتناقضاتهما : (تنفس كي أعيش، وعش كي أسعد، واسعد كي أشعر بأنني قد أديت دوري في الحياة، فالحياة بلا دور يقوم به المرء في تمضية لحظاتها فيه، ماذا عساها حينها أن تكون ؟ في كل الأحوال ستنقضي يوما تلك الساعات وتفنى جميع اللحظات لكي لا يبقى من كل شيء سوى الأثر، سوى التأثير، النفع لا الضرر، فالضرر مهما بلغ مداه حتما سيزول، واليد الطيبة ستأتي وستجتهد وستعمل عملها فيه كي تقشعه وتزيله من الوجود، فينتهي كما لو كان ما بدأ، وسيبقى النفع خالدا خلود الشمس في الأفق وسنة الكون في الطريق.. نعم فقط النفع سيبقى ويمكث في الأرض إلى الأبد، وينتقل تأثيره إلى الآخرين والآخرين...) وقال الفتى لأبيه : (يا أبي هذا كلام إنشاء وقصص في الحواديث والناس ليسوا ملائكة حتى يدركوا معنى هذا الكلام.. الناس في هذا الزمن لا يهمهم سوى الأخذ.. ليستفيدوا منه استفادة شخصية بحتة دون إلقاء أية أهمية لقضية النفع أو الضرر...).

وصمم الغلاف المؤلف، وجاء فضاء وجهه يؤكد بشاعة الحرب ودمارها وخرابها وضحاياها، وتوحي آليات الحرب ووسائلها أنها القديمة الحديثة فيما قامت عليه، وأنها الصراع الأزلي بين الخير والشر في نظر مؤججيها، وآليات الحرب المتطورة تتحدى قيما وإرثا سيظلان ماثلين صامدين وإن تباينت الظواهر.

وفي غمرة القتال وفي مركز ساحتها تلمح عروسين شامخين يتحديان بالحب الحرب، ويؤكدان ان الفتنة مهما اشتدت وقست وانتشرت وتجذرت ومهما فرقت وشردت وأقصت وأبادت فإن للقلوب لغتها وشعلتها وتحدياتها وإصرارها على الصمود وقدرتها على تجاوز الفوارق والمسافات، وتختلف في مدى تحمل الأرزاء ذات الصلة بما قامت عليه.

الجمع بين الحب والحرب : فرضه حب الحياة والرغبة في الاستمتاع بها إلى حد الدفاع عنها والوقوع دون إدراك منتهاها، واقتدار وجداني وجسدي يحدد حدوثه في الزمان، وصدق فني يبدع في تصوير ورسم المعاناة التي تجاوزت الفرد لتشمل الآخرين في مآس تلتقي في نهاياتها وتتباين في مساراتها وفي أشكال خواتمها ذات الصلة بالبعد الاجتماعي والقيمي.

أنت في كل ذلك موزع بين القول شبه الجازم : إن الأحداث جزء من حياة الكاتب أو هي واقع ليس بالبعيد عنه، وقد استطاع بما ملك أن يشخصه، وان يبث فيه فيضا من الأحاسيس وأن يعالجه بقدرات إبداعية تثير الوجدان وتشغل الفكر بمحوريها : (الحب والحرب).

فهو إذا أتى إليها – (أطفأ قسم الحرب وأظلمه تماما وأوصد أبوابه الصلدة وترسه بالمتاريس، ثم سرع أبواب الحب على منتهاها فتخضر الغابة، وتسطع الشمس حنونة فوق أغصان الشجر، وتتسع الطرقات، وتنتشر المشاعر فوق مباسم الزهور، ويتأرجح النسيم بين كل زوجين عاشقين، وتتمايل الأفرع مع انسجام الطيور... كأنهم ملائكة يستمدون من عذرية الطبيعة الحب ثم يمدونها به من جديد فيتسع صدرهم ذلك الاتساع الذي يمكن معه أن يحتوي بداخله كل البشر...) لكنه إذا عاد إلى الحرب (أطفأ قسم الحب.. فتسود الدنيا وتحترق الغابة وتختبئ الشمس مسرعة خلف أستار الغيوم، وتضيق الخنادق بالجنود، ويتحول النسيم إلى جحيم يحرق الجثث، ويتحول العبق إلى روائح مقززة تنبعث من عفن أجساد الميتين ممددين فوق الأرض الثكلى، وتتعرى الطبيعة تماما عن جلدتها وتكشف عن عورتها أمام أعين الجميع دون حيا...) لقد ملك "البيان" في تشخيص الحالتين عقلا وشعورا، ورسم الخاتمة الفاجعة، ووارد أنه يرسم حقبة حواها مكان سكت عنه لأن وصف الحدث أينما كان هو الأهم.



ولعل التعريف الموجز به يؤهلك وقد قرأت الكتاب لتختار. المبدع أحمد يحي الجدعة لبناني المولد (1974) وبعد سنتين (1976) انتقل وأسرته لمصروفيها تعلم، وفي سنة (1998) أحرز على شهادة اللسانس في الآداب والتربية قسم اللغة العربية. ومجموعته القصصية هذه ليست إبداعه الأول، فقد سبقها إبداعات نشرتها صحف مصرية منها "الأهرام" وأتاح له تميزه واتقانه (للنقش على الخشب) أن ينتقل سنة 2004 ليقيم بصفاقس (تونس) وساهم بفنه القصصي في عديد الفضاءات ونال التشجيع والتكريم وحصد منها التعارف والصداقات والعلاقات فتزوج في صفاقس بالأستاذة المحامية منيرة بن الباي ولهما ابنان : طه ومحمد.

comments

أحدث أقدم