راي براي الرئيس على صواب..ولم يرتكب مايخالف الدستور

راي براي

الرئيس على صواب..ولم يرتكب ما يخالف  الدستور


بقلم الدكتور ابراهيم بن مراد*



قد ثارت ثائرة محترفي السياسة في تونس على رئيس الجمهورية لأنه لم يوقع على مشروع قانون التعديلات الانتخابية الذي أعدته أحزاب إقصائية لا ترى في الديمقراطية إلا ما يحقق لها مصالحها. وقد قرأنا البيانات التهديدية لرئاسة الجمهورية وهي تهديدات صريحة جاءت من أحزاب التحالف الممسك بالسلطة. والتونسيون يعرفون جيدا الدوافع الحقيقية إلى اتخاذ مشروع القانون الانتخابي الجديد، وهي دوافع لا علاقة لها بالديمقراطية وبالدفاع عن مصالح الوطن بل أملتها المصالح الحزبية والخشية من نتائج الصناديق الانتخابية.

وما نريد أن يفهمه أتباع الأحزاب المتحالفة هو أن رئيس الجمهورية ليس صنيعة أي حزب منها بل هو منتخب انتخابا مباشرا حرا من الشعب، وهو لذلك يمثل الشعب الذي انتخبه ومن واجبه الدفاع عن مصالح الشعب والاعتراض على كل ما يراه مخالفا لمصالحه التي أقرها الدستور، كما أن من واجباته الدفاع عن الدستور والتصدي لكل ما يخرج عن روحه ويهدد المبادئ الديمقراطية، وتمثيله للشعب تمثيل حقيقي بخلاف الكتل النيابية التي تعتمدها الأحزاب فهي تمثل الأحزاب التي تنتمي إليها والجهات التي انتخبتها.

أما عن اختراق الدستور فإن نواب الشعب المحترمين أعلم بالمناسبات التي أخْتُرق فيها ولم يحركوا ساكنا، وأقرب المناسبات إلى الذاكرة ما حدث مع هيئة بن سدرين أو ما حدث ويحدث مع انتخاب المحكمة الدستورية التي كان ينبغي - دستوريا - أن توجد منذ سنة 2015. وأنا لا أكتب هذا دفاعا عن رئيس الجمهورية في حد ذاته بل هو دفاع عن مؤسسة رئاسة الجمهورية بعد أن رأينا تهديدها منذ أيام قليلة بالانقلاب على رئيس الجمهورية بدعوى العجز الذي يتولد عنه الشغوروما نعيشه الآن من تهديد للرئيس بإيجاد طريقة لعزله، فكأنه "خمّاس" - بالمفهوم الجنوبي لهذا المصطلح - لدى البرلمان أو لدى الكتل البرلمانية تزكيه متى شاءت وتخلي سبيله متى أرادت! ذلك هو المفهوم الأعرج المعوج للديمقراطية التي تطوّعها الأحزاب حسب رغباتها ومصالحها لتمارس ما كنت سميتُه في مقال سابق بـ"دكتاتورية الديمقراطية".

المفروض أن يكون الدستور حكما بين المشرفين على مؤسسات الدولة فلا يخرجوا عنه ومن مؤسسات الدولة رئاسة الجمهورية التي لا ينبغي لها أن تلتزم بتطبيق الدستور فقط بل ينبغي لها أن تسهر على جودة تطبيقه، وما كان هذا الذي نعيشه الآن من خلاف بين رئاسة الجمهورية والأحزاب سيحدث لو كانت المحكمة الدستورية قائمة، وليست رئاسة الجمهورية هي التي عطلت قيامها بل عطلته الكتل البرلمانية التي تريد فرض أناس غير مشهود لهم بالكفاءة ومتهمين بالانحياز الحزبي، وليس أدل على ذلك من التشبث بشخص بعينه إما أن يُنتخب هو بعينه وإما أن لا يُنتَخبَ أحدٌ! هكذا يريد الإسلام السياسي الذي يطبّق الديمقراطية على مقاسه وحسب مزاجه، وقد رأينا مثالا حيا لذلك داخل الحزب نفسه هذه الأيام.



*استاذ جامعي

comments

أحدث أقدم