هدا سرحان تكتب من الاردن // لوحات بسمة النمري بألوان دافئة تكشف وجع الروح

خاص بقمر تونس ومرآة الوسط

لوحات بسمة النمري بألوان دافئة تكشف وجع الروح




هدا سرحان




حين تستيقظ الفنانة بسمة النمري من نومها، وتنهض من سريرها، تشرب قهوة الصباح برفقة نسائها الجميلات المكتملات الساكنات جدران بيتها اللواتي رسمتهن بوجع الولادة لا بمزج الألوان.
من يصنع من؟ الفنَان يصنع اللوحة، أم اللوحة تصنع الفنَان؟من يخلق من؟ الفنَان أم اللوحة؟ سؤال يلح على النمري كل صباح..
التشكيلية والكاتبة بسمة النمري تتعامل مع نسائها المحبوسات داخل إطار اللون على أنهن كائنات حية تنبض بالحياة تتحدث إليها بصمت أو بلغة العيون، وتعترف لهن مع كل رشفة قهوة “أن اللوحة قد خلقتني، صيَرتني أنا التي بتَ أدرك ما أراه الآن فيّ، علمَتني كيف أقبل نفسي، وأكثر قليلاً.. كيف أحبَها”.
ترسم كما تكتب من دون التباس بين الحالتين، لكنها تدرك تماما صلة الرحم بين الرسم والكتابة؛ أي بين التشكيل باللون والتعبير بالكلمة. لكن لا تنجح في حالاتها الكثيرة أن تفصل بين الكلمة واللون في حالة الاشتباك، حيث تكاد أن تفقد وعيها لفقدانها القدرة على الانحياز إلى أي طرف منهما.. إلى أن تخرج من حالة المعاناة التي تنهك الخيال فتصل الى منزلة التهدئة وسلام الخيال والتقاط الأنفاس، فتقرر ان لكل لوحة حكاية..
هذه صاحبة المعطف الأحمر التي تبعتها من شارع الى شارع، ولاحقتها من حي الى حي حتى أتعبتها لتقف على ذلك الرصيف في تلك المدينة الماطرة.. حتى أن ظهرت في تلك اللوحة جسدا وفكرة ولونا داخل إطار لوحة جديدة على الجدار.. هدأت روحها واستكانت..” الأحمر.. رغبة وإرادة، هو ضد الضعف ضد الانسحاب لون صاعد أبدا، ليس أمامه خيار غير أن أراه”.
هكذا ترسم بسمة النمري لوحاتها وشخوصها التي تداعب وأحيانا تضغط على المخيلة حتى ترهقها وتعذب روحها المرهفة بالشفافية والجمال والموشحة بالألم.. وتؤمن أن هؤلاء النساء الجميلات المكتملات أخذن شيئا من روحها..
ريشة بسمة النمري، كما قلمها، تنبش في ثنايا الروح والمخيلة قبل أن تتشكل اللوحة أو تخلق الفكرة وتنهمر قطرات الألوان من خيوط الروح فتتحول الى خطوط وصل بين الفن والحياة، لأنها تؤمن بأن لا حياة بلا فن ولا فن بلا كتابة.
هناك تمازج وتماه وتماثل بين الفنانة بسمة ولوحاتها، والكتابة وعباراتها وفكرتها حتى الوهم والالتباس، فهي في بعض حالاتها لا تستطيع أن تميز حقيقة اللحظة، فتعتقد أنها ترسم اللوحة، أو أن اللوحة ترسمها، تكتب القصة أو أن القصة تكتبها!
تتوقف النمري كثيرا عند العينين، فهي أول ما يتشكل في لوحاتها، لأنها تعتقد أن العيون نافذة الروح ومرآتها تحيا في مخيلة وذاكرة الفنانة.. وهذه العيون والتشكيلات ترافقها وتعيش معها بلا انفكاك.
وحدها لوحة “بسمة ونسمة” أو الاختين ضاعت منها الملامح والعيون، كما ضاعت شقيقتها الفنانة الراحلة نسمة.. “الوجه مصيدة، يخبئ روحه فيه، يستبقيها أسيرته فلا تغادره الجسد يخون، بالموت يغيب ويطويه النسيان فمن يمسك الروح التي لا ترى سواه؟
وهذه إحدى نساء بسمة الجميلات المكتملات.. يشدنا اللون وعمقه وتدرجاته قد تستخدم أكثر من تسعة ألوان حتى تهاجم وجوه اللوحة سكون الفنانة وتحاصرها أن كفى.. وتمتثل النمري “كعبدة” لسيداتها الوجوه.
“لم أختر لونا بعينه افضله، ..اسألها فتجيبني وأجد اصابعي تنطلق فوق أنابيب الألوان، وتحط عليها، تحسسها تتشرب روح اللون فيها، تؤشر على ما يحقق رغبة الوجه منها وتتناوله، .. وجوهي تختار ألوانها!”.

comments

أحدث أقدم