فيلم يوم الدين.. حكايا المهمشين








تونس// ايام قرطاج السينمائية //






*كتبت تماضر عيساوي

عندما تتكلم الروح لتحطم كل القوالب والمفاهيم الجاهزة المغلوطة والموروثة وحين ينطق الجسد رعدا ينسف كل الممنوع ويفتت كل الاغلال باترا في وعي تام الاعضاء المشوهة فيه بفعل الاربطة و القيود وحكم الزمان ..
عندما تتكلم الروح بكلام يعقبه انفجار لحمم بركانية اعياها السكون وجمدها الكمون هي مفتاحها على طريق الحرية والانطلاق خارج اسوار العبودية التي خبات عنها ضياء الشمس لاي من الاسباب ..
وحين تكون انت بذاتك امام شاشة هذه الاحداث شاهدا على روعة انتاجها واخراجها فاعلم انك في حضرة "يوم الدين"
الفيلم المصري"يوم الدين" من اخراج السيناريست الشاب "ابو بكر شوقي" الذي اختارته ادارة مهرجان ايام قرطاج السينمائية ليكون ضمن المسابقة الرسمية للافلام الطويلة بعد مشاركته في العديد من المهرجانات العالمية والعربية آخرها مهرجان الجونة التي فاز فيها الفيلم بجائزة "سينما من أجل الإنسانية."

هذا الشريط هو بحث عميق في نفسيات اناس عاشوا الرفض و التهميش والاقصاء من المجتمع بسبب ما يعانونه من تشوهات خلفها مرض الجذام المعدي.. لتجعل منهم سجناء واقع صعب بغيض يراكم هموم المرض والنبذ وتصحر العواطف
وقد استطاع المخرج ابو بكر شوقي خلال سبع سنوات من العمل الدؤوب ان يخرج هذا العمل قاتم الطرح في ابهى صوره الانسانية.. مشحونا بالمشاعر والقيم الانسانية رغم نقله لواقع اجرد متصحر قاحل العواطف ..
الشريط عالج موضوعا ما يزال حارقا في مصر منذ عهد الملك فاروق الى يومنا هذا..وهو منفى مرضى الجذام و مخلفاته النفسية والانسانية والاجتماعية على المرضى و المحيط و تطرق في هذا الاطار غير الانساني الى كل المواضيع المسكوت عنها باسلوب مباشر في بعض المشاهد وغير مباشر في مشاهد اخرى نستشفه من وراء الكلمات والمفاهيم والمواقف
وقد غاص بنا كاتب السيناريو في عرض هذا الشريط في نفسية المهمشين بانواعهم المختلفة ..من ذلك نذكر ان احدى شخصيات الفيلم "بشاي" تتقابل مع بعض الشحاذيين المشوهين بسبب اعاقات او حوادث و الذين اختاروا العيش في منفاهم الخاص في مصر داخل المناطق المهمشة بعيدا عن المجتمعات الحية..علي امل ان ياتي يوم الدين

الذي يعيد للمشوه انسانيته وشكله الطبيعي ويضمن العدالة للجميع ولعل من اقوى الجمل واقساها على المتفرج تلك التي نطق بها الشحاذ:" احنا الثلاثة عايشين علي امل يجينا "يوم الدين" يومها حنبقي سواسية لان احنا ضحايا شكلنا"
كما لا يفوتنا ان نشير الى ان الشريط تطرق في بعض المشاهد الى مسالة النوبيين من خلال شخصية الطفل "اوباما" .
البحث عن الهوية و الذات
يوم الدين هو فيلم نوعي ينتمي الي مجموعة محددة من انواع السينما المصرية و هو من سينما الطريق و الرحلات من مكان الي مكان اخر لتعرف فيها علي ماهيات الحياة و المواجهة المباشرة مع الغير النابذ لكل الناس المنبوذين فمن خلال
قصة بشاي الذي تعرض منذ صغره لمرض الجذام مما اجبر عائلته بتركه في المستعمرة و نسيانه و بعد سنوات يقرر بدا رحلته صحبة الطفل اليتيم النوبي اوياما و حماره للبحث عن عائلته و تبدا منذ تلك اللجظة تواتر الاحداث و التعرف علي عالم شبه مجهول من قبله و التواجه وجها وجها لاول مرة مع الواقع و العالم خارج المستعمرة.
’’جمال الروح تلامس جمال الاداء’’
بطل الفيلم عن جدارة هو راضي جمال الذي ادي شخصية بشاي باحترافية عالية و احساس يصل الي قلوب المتفرجين بالرغم من كونه شخص بسيط جدا لا يجيد القراءة و لا الكتابة و لا يعرف كيفية التعامل مع الكامرا و بالرغم من كل ذلك استطاع راضي جمال ان يبدع و ياكد ان التمثيل لا يعتمد علي جمال و اناقة الصورة او الممثل بل جمال الروح و الاداء و المصداقية هي عنوان الاحترافية

*عضو اسرة التحرير

http://www.miraatwassat.com/2018/11/-91.html.

comments

أحدث أقدم