قصة اغنية
« يا قمـر تونس حنانك » .. أغنية ولدت من رحم العشق والحب العذري
قصة أعادت إلى الحياة عصر الملهمات فكانت أغنيات للتاريخ
اA
A
علي فقندش (جدة)الملهمات .. نساء شاركن في صناعة التاريخ في كل المناحي أو أن بعضهن صنعن ذلك التاريخ سياسيا كان أم اجتماعيا أم ثقافيا أو غير ذلك، والملهمات على طول المدى كن ذوات
«فعل» رومانسي كما هو لدى الكثير من العشاق في العالم وكن أيضا ملهمات لشخصيات قيادية وعسكرية من أولئك الذين قادوا الجيوش أو حركوا مسارات التاريخ إلى جوانب سجلاتهم فكانوا تأريخا، تماما كما هو الحال مع جوزفين مع نابليون، وايفا براون مع هتلر وأزعم أيضا أن بعض الأندلسيات كن ملهمات لقادتنا العرب في أسبانيا «الأندلس».
نحن اليوم مع واحدة من الملهمات عظيمات التأثير على حياتنا الثقافية والفنية، إنها قمر زيني أرملة الفنان الراحل الكبير متعدد المواهب لطفي زيني «أم محمد» .. وهي أيضا قمر بلقاضي وهو اسمها الأصلي المرتبطة من خلاله بأسرتها في تونس حيث انتزعها لطفي منه ليقدمها للناس وللمجتمع بـ «قمر زيني» ، هي نفسها «قمر تونس».. موضوعنا لهذا اليوم، وهي التي شدا بها الراحل الكبير أبو عبد الله «طلال مداح»، وهي وصف وكتابة توأمه في طريق الفن لطفي زيني زوجها.. أرملته «قمر» هي اليوم تعيش في جدة التي أحبتها وعشقتها بعد تونس بلدها الأم، الذي خرجت منه نجمة من أشهـر مذيعاته وإعلامياته في الإذاعة والتلفزيون لتتزوج لطفي زيني وتواصل عملها في التلفزيون السعودي في الكثير من البرامج، ثم تؤمن تماما أن مكان المرأة هو البيت ولا غيره لتسكن إلى رجل يحميها وتربي أبناءه وتكون امبراطورية جديدة ومستقلة في المجتمع مرتهنة إلى القول الإنساني الشهير «قد يترك الرجل أسرة يحبها من أجل تكوين أسرة أخرى قد يحبها أيضا».
قمر زيني كانت ملهمة من أحبها فناننا الكبير الراحل لطفي زيني الذي اجتمعت ذائقته الفنية الكبيرة مع ذائقة توأمه الفنان القدير طلال مداح رحمهما الله لينتجا لنا الكثير من الأغنيات كانت قمر زيني سرها.. ومنها «أحبك لو تكون حاضر، ابتدت أيامي تحلى ابتدت، اليوم يمكن تقولي يانفس إنك سعيدة، ثم أخيرا أغنية مادام معاي القمر مالي ومال النجوم. ولكن قبل هذه وتلك كانت أغنية «العيون التونسية» موضوعنا لهذا اليوم.. فقد كانت أول ماكتب لطفي زيني لزوجته قمر زيني، ولنص هذه الأغنية قصة فحواها كما تقول هي لـ «عكاظ» :
جاء لطفي وطلال مداح ضيفين على وزارة الثقافة في تونس بترشيح من بابا طاهر زمخشري عاشق تونس للمشاركة في أعياد ميلاد الحبيب بورقيبة في 1969م وكنت يومها المذيعة التي تقدم كل الأنشطة الخاصة بالرئيس الحبيب بورقيبة أو اليوم المفتوح وكان في هذه المناسبات وزيارة الكبار فرقة موسيقية تراثية راقصة مكونة من نحو 40 فردا تعرض في حفلات الضيوف بحضور الرئيس، وترافقه أيضا عندما يذهب في زيارات خارجية، وكنت أغطي إعلاميا أيضا أنشطة كبار ضيوف الدولة من سياسيين ومثقفين وفنانين مثل أم كلثوم ويوسف وهبي وعبد الحليم حافظ وغيرهم إذاعيا ومن ثم تلفزيونيا، عندما جاءنا التلفزيون اختاروني له رغم حبي للإذاعة التي عملت فيها منذ 1964م .. وعندما جاء لطفي وطلال مداح كنت على صلة بهما عندما جاءا للإذاعة مع بابا طاهر زمخشري، سكنا في هيلتون تونس العاصمة وكان معهما على الدوام أستاذنا الشاعر طاهر زمخشري وتونسي هو دليل لهم ومرافق «زين الدين» وكانا على معرفة مع نجم الكوميديا التونسية الراحل محمد بن علي «سي الحطاب» قبل أن يعملوا معا في التلفزيون ومن خلاله تعرفوا على الوسط الفني التونسي.
وكان الرئيس طيبا جدا وأقصى طموحاته أن تحتفل الدولة بعيد ميلاده 7 أيام وسبع ليال وربما بمثلها أيضا، كان بورقيبة الذي كنت قريبة منه إعلاميا عاطفيا جدا ولم يكن ماديا في التعامل.. عموما الذي حصل أن زميلي في الإذاعة خالد التلاتلي من برنامج «المجلة الفنية» والبرامج الثقافية في الإذاعة هو من كلف بإجراء الحوارات معهم في الفندق وأنا من يقدم البرنامج في الإذاعة وكان خط التلاتلي سيئا فكتب لي «زيني» بدون النقطة «ريني» فقدمته على هذا النحو فاتصل بمدير الإذاعة مصححا اسمه.
المهم جاء موعد تسجيل الأغنيات ليوم ميلاد الرئيس بورقيبة وتحولت الإذاعة إلى ورشة وكنت أستعد لتقديم الفقرات في الحفل الذي سيقام في المنزه وهي القبة التي سبق أن شدت أم كلثوم حفلاتها في تونس عليها، وأنا في الاستوديو فجأة دخل علي طلال مداح وبابا طاهر لتسجيل أغنيات لطلال مداح بحكم أنه ضيف على الوزارة كان ذلك في ستوديو 2 الذي كنت أتواجد فيه مع مهندس الصوت، عرفت طلالا لأني كنت مغرمة بأغنيته التي تذيعها إذاعتنا دوما «سويعات الأصيل» فقلت له: أنت طلال .. أنت طلال ؟.. وهي نفس الحكاية التي كنت عشتها فيما بعد وأنا عروس مع لطفي في بيروت عندما عرفني على الأغنيات السعودية في شهر عسلنا هناك!، وكانت الأغنية التي خطفت لبي لمحمد عبده وإبراهيم خفاجي «مافي داعي من حنانك» .. المهم قلت لطلال : كنت أتمنى لقاء مطرب سويعات الأصيل .. «لم تكن تعلم أنه سيغني لها شخصيا العديد من الأغنيات الجميلة باسمها باسم قمر» .. وكلها ثنائيات بين طلال ولطفي.. قلت لطلال: أنا فرحانة بوجودك بيننا هنا وجلست إليه وبابا طاهر والشعر والثقافة والإعلام بيننا ورابعنا وكنت أرى طلالا يسترق النظرات لي ويبدي إعجابه بنظرات فاترة وعرفت طلالا تماما فيما بعد إلى أي مدى هو عاطفي ويحب كل جميلات الأرض ومن الممكن أن يحب كل أنثى يلتقيها لو بعد كل عشر دقائق.
علمت بعدها أن بابا طاهر وطلال عادا ليحكيا للطفي أنهما التقيا بمذيعة جميلة .. «وأنا لا أدعي ذلك، بل إنني عادية جدا» مثقفة.. هناك في الاستوديو وأحب الفن السعودي، وكنت يومها أول مرة ألتقي بضيوف من الوسط المثقف والإعلامي في تونس، أما بابا طاهر فهو معنا دوما وأخ وصديق لكل تونس. • احكي لي بالضبط ما الذي بدأت به خطوات زواجكما.. لطفي وانتِ ؟.
ــ عندما حكى له عني بابا طاهر وطلال جاء معهما إلى الإذاعة وقال:
«هذه البنت اللي تقولوا عليها ؟ إيه يعني، ولا فيها شيء غير عادي، ياما شفنا بنات على قد شعر راسنا»!.
وفي لقاء جمعنا الأربعة قال بابا طاهر الذي لايتوانى أن يقول أي موقف حكاه أحد: أتعلمين ماذا قال عنك لطفي ؟، إنه قال كذا وكذا ؟.. كان بابا طاهر لحظتها يلقي قصيدة تقول :
ترفق على خاطري يا قمر !.. ولطفي بدا لي وكأنه لم يكن معنا عن قصد، التفت إليه وقلت: باين الأخ لطفي إنسان سطحي جدا ؟ فضحكت وبابا طاهر يلقي القصيدة وغادرت.. وبعدها بيومين كتب لطفي هذه الأغنية في:
ياقمر تونس حنانك .. بالقلوب العاطفية
كملك ربي وزانك .. بالعيون التونسية» ..
ولحنها طلال مداح وجاءا ليسجلاها في الاستوديو ، كنت في مكتبي في الدور الرابع وهما في الاستوديو الأرضي «ستوديو 5» وطلبوني ومعهم بابا طاهر لحضور تسجيل الأغنية فحضرت التسجيل الجديد، وطلال يغني قال لي لطفي: هذه الأغنية كتبتها فيك ياقمر تونس، وهو يدخن سيجارته المفضلة «الكنت الأبيض» عزمني على سيجارة فشكرته لأني لا أدخن، وقلت له: أنت تكلمت عني «وحش» ولو كنت سآخذ السيجارة إنما أخذتها كذكرى منك كضيف سعودي يحل بيننا. وكانت أول ردة فعل مني قولي له:
أنت كتبتها لعيون بنات تونس الحلوة ولمن تعرفها من عيون وليس لي، عموما إذا قبلتها فسأهديها أنا أيضا إلى بنات تونس بنات بلدي، سمعت الأغنية أعجبتني أثناء التسجيل وبعد الانتهاء من المونتاج طرت بها ولم أطق أن أتركها بغير هوية إنها أغنيتي التي كتبت في.. بعد يومين جاءني طلال مداح ولم أكن لأستطيع استضافته في مكتبي فنزلت إلى صالون الضيوف لأستقبله وهناك حكى لي قائلا: أريدك في موضوع هام، وهو يرتشف قهوته فقال :
«أنا جاي أخطبك للطفي زيني .. الراجل واقع من دباديبه» ، وأصر علي، إنني أخطبك له، كان يقول ذلك وهو في واقع الأمر كان يحبني جدا، ومعجب بي وكان يريدني زوجة، فدخلت في حالة ضحك هستيري وهو يقول كل شوي: اشبك تضحكي، ايش الغريب، ايش في» ، وذلك لكوني عندما التقيت بلطفي كنت أشعر داخليا أن هناك ما سيربطنا في المستقبل وأنه سيكون لنا شأن معا !.
أما الضحك ففي الواقع كان لأني تلقيت قبل ذلك بستة أشهر «1967م» عرضا من تلفزيون الكويت الوليد أيامها بأن أعمل فيه مذيعة من خلال عميد الأدباء الكويتيين يومها فاضل خلف الذي كان يعمل أيضا ملحقا ثقافيا لدينا في تونس، ذلك لأن السيدات الكويتيات يومها لم يبدأن العمل في الإعلام والفن ؟، وكان فاضل يحبني جدا ويأتيني بدواوينه وكتبه ثم كان عرضه كبيرا يومها مقابل أن أترك بلدي ونجوميتي فيه إلى الكويت وهو 500 دينار كويتي يومها كان المبلغ كبيرا إلى جانب سكن وسيارة وكنت قد رفضت ذلك العرض!.. ولكن لماذا قبلت عرض لطفي والسعودية؟.. لا أعلم لماذا، كان قلبي يتحدث يومها. لا أعرف كيف ارتحت للطفي وصدقه الكبير في الحياة الثقافية والفنية، إنه شاعر حساس ورجل عبقري يفكر في كل الاتجاهات ويعمل بنفسه ولا يعتمد على أحد، ولكن في نفس الوقت لا أعني أنه براجماتي!. فجأة رأيت أن ضحكي أمام طلال دون رد ربما فسره بأنه قلة أدب فتوقفت، وطلال أصبح يقول : خلاص أقول له لا ؟ وهو فرحان ويتوقع بأن يكون ردي إيجابيا، فقلت له: لا .. دعه يأتي ويتقدم هو، وأنا أرفضه ! فقال طلال :
ايش يعني هذا ؟، وتعلم أنت إلى أي مدى خفيف هو دم طلال رحمه الله، فقال : أنا أقول له إنكِ رافضة وخلاص !، قلت: لا .. لا تتصرف من عندك.
في اليوم التالي علمت أن «لطفي» يعني ذلك بالفعل وبقوة إذ لم ألتفت في مكتبي فوق وهو المكان الممنوع على الضيوف الوصول إليه إلا ولطفي فوق رأسي، الأمر الذي يبدو فيه أنه بغشش الحراس أو الفراشين في الإذاعة وقال:
بعد يومين عودتنا. ووضع أمامي صورة صغيرة له كتب عليها «رأيت في عينيك شعورا صادقا .. أتمنى أن أرتبط بك برباط مقدس إلى الأبد» ، سكت، ثم قلت: «تريدني أن أتزوج وأترك بلدي» .. على العموم أثرت في نفسي كلماته المكتوبة كثيرا جدا، أصر من ناحيته على أن يسمع الجواب «نعم أم لا » قائلا: فضلا أجيبي، سفري بعد غد، فقلت: نعم، تأجل سفره وصار زواجنا وهو المتزوج في جدة وله أربعة أبناء من زوجته الأولى، وأذكر يومها أنه باع سيارته ليدفع المهـر كان ذلك بطبيعة الحال قبل العقار وعبقريته مع العقار وفن التسويق. وجئت لأعيش معه في «العمارية» بيت أبيه «3 أدوار» الذي يعيش فيه وزوجته وأبناؤه الأربعة ووالده ووالدته، وواصلت عملي هنا في التلفزيون وقدمت الكثير من البرامج وكان أشهرها برنامج فيلم الأسبوع الذي كان يعده يومها للتلفزيون هاشم عبده هاشم، وقدمت برامج أطفال ناجحة وغيرها وتعاملت مع مخرجين كبار من مركز تلفزيون جدة وأحتفظ بذكريات زمالة عمل أعتز بها كثيرا معهم مثل محمد أحمد صبيحي ومحمد حيدر مشيخ وطارق ريري ومهدي الفاسي والمصري الراحل عبد العظيم الصياد رحمه الله.. ولي الكثير من الذكريات مع محمد مزالي والشاذلي القليبي والكثير من الأسماء نرويها معا قريبا جدا..
-----------------------
عن موقع عكاظ السعودية
إرسال تعليق