من تجلّيات الشعر التونسي في الذكرى الاولى للاستقلال
بقلم : محمد الصادق عبد اللّطيف
الكاتب محمد الصادق عبد اللطيف
الزعيم الحبيب بورقيبة محرر البلاد وصانع عيد الاستقلال
أحسّ اليوم بنشوة الاستقلال – أرضا وشعبا – بعد أن عشت مرارة الاحتلال وذلّه لمّا تعود بي الخواطر الى سنة 1957 في الذكرى الاولى للاستقلال، وقد كنت شابّا مكتمل الذات متخرّجا من الزيتونة بشهادة التحصيل في العلوم و ومنتسبا للتعليم العالي هزّتني أفراح الشعب التلقائية يومها الى القصبة بتونس أحد معاقل دولة الاستعمار حيث كانت ادارة وثكنة عسكرية تجتمع على قلب العاصمة قبالة الوزارة الكبرى ومقرّات الحكومة ومحتشدا للمواطنين الشرفاء وإدارة عسكرية للحماية ومقرّا للمحكمة العسكرية التي قهرت المناضلين وإذا الجموع تفزع من كلّ مكان في حشد لا مثيل له للتعبير عن الفرحة والابتهاج بالاستقلال وكيف تحرّر الوطن وخلصت البلاد والأرض وأنّ القصبة اليوم هي ملك التونسيين.
كان المشهد رائعا والحضور مكثّفا والفرحة عارمة مسّت كلّ شرائح المجتمع وقد سطع العلم الوطني خفّاقا فوق المباني الحكومية وامتلأت المدن والقرى والشوارع بالمواطنين وهم في نشوة الانتصار وقد تحرّر المواطن والوطن بعد غيمة كبرى ولم يتخلّف الشعر الوطني يومها عن تخليد مآثر وتمجيد المناضلين في عزّة الوطن بعد تخليصه من العبودية والإذلال وكان الصوت المحلّي يومها الشاعر الفحل (الشاذلي عطا الله) يصدح بقصد أية في القوّة وجمال الصورة وصدق المشاعر ما تزال الى اليوم تلك المعاني الخالدة ترنّ في أذني – وأنا ابن العشرين يومها – في أسمى المعاني الوطنية والافتخار بالعلم –الرمز-.
لقد خاطب العلم الرمز والوطن ككل في قصيد عد اليوم من درر الشعر الوطني الصادق لا تدفع صاحبه الى الحصول على مكافأة أو اظهار حضور بقدر ما حملته نفسه الوطنية من حبّ للوطن والدعاء له بالصمود والرقي والتحرّر والنهضة بكلّ أبعادها.
استمع اليه وهو يجلجل من وسط القصبة بالعاصمة حيث الجموع تشارك في الاحتفالات بهذا الحدث (عيد الاستقلال الاوّل) في تلقائية وصدق الحضور والمشاعر أيضا.
رفرف على القطر أيها العلم وحيّ عيدا اقرت رمزه الامم
واسكب الشعر آيات الخلود ففي روائع الشعر ما تسمو به القيّم
وظلّ للقلم الواعي خصائصه فالحقّ ما سجّل التاريخ والقلم
واسرح من مهرجان العيد أغنية شيّد بها الشعب لك يحلو له النعم
واحرص على نفحات المسك اذا بلغت قدس الشهادة فالمسك الشيّق دم
وأرو الأحداث للأجيال وأتلو على أسمائها قصص الأبطال من نجموا
وهلّ عن ذكر عبس والفارس من قحطان فالذكر أبلى رسمه القدم
وأذكر كفاحا مريرا ظلّ محتدما نيفا وعامين لم تبرد له حمم
وسر شابّا طغى فيه الحماس فلم يكبح جماحا ولم يظهر به سأم
يا شعب هذا جلال العبد يغمرنا وعزّة النصر خفاق بها العلم
يا شعب عيدك رفاق الظلال وفي أفيائه لبنى الخضراء ملتآم
ثم تلاه الشاعر الموهوب الشاب(محمد مزهود) بصوت جلي عدّد من قصيدة بهجة الوطن في صورة (العلم المرفرف) فوق القصبة المتحرّرة من العبودية ومن رمز الاجنبي (العلم الفرنسي) والّذي يثير وجوده ورؤيته (صورة العبودية) لقد عدّ يومها هذا القصيد قائله شاب في ميعة الشباب من أروع ما حواه من احاسيس وطنية دفّاقة وفرحة مثلى بهذا الخلاص بعد احتلال (دام قرنا الاّربع) كان عمر الشاعر يومها 28 سنة نقرأ هذا القصيد ثمّ نحكم على صاحبه وعلى تجربتها الشعرية ومضامين الصورة الشعرية والصناعة فيه.
هو الشعب فلتصرخ طرابا بلابلة فمنه انجلت أشجانه وبلابله
تبارك عيد لاح باليمن فجره وفاحت شذى اسحاره وأصائله
لعمرك ما جاد الزمان بمثله ولن تشهد الأجيال عيدا يماثله
تجلّت به خضراؤنا عقد سؤدد فأشرق منها الجيد وازدان عاطله
فكلّ نواديها سواء صوادح عليهنّ من ثوب المفاخر شاملة
وكلّ معانيها أهازيج أترعت كؤوس هناء لم تكدّر مناهله
لقد فقد الشعر الصادق منهجه الأدبي حين انخرط اصحابه في (العكاظيات والمدائح طمعا في المال فقط وباعدوا بينهم وبين المعان السامية التي يجب أن يحمل القصيد.
لماذا انعدم الشعور بالوطنية علانية لدى بعض شعراء اليوم حيث لم نجد في قصائدهم (روح الأمّة) وروح الايقاع والنغم المطلوبين في أي قصيد.
انّنا خلال معركة التراب (معركة الجلاء سنة 1961 وجدنا الشعر يدخل المعركة فقد واكب مراحل فكانت له صولات رائعة، وقد كان الشعر يومها حقّا أن سجّل تلك النفحات الرائعة وأن يضمّها الى مجلّده الضخم الزاخر بروائع البديع ونفيس الشعر ( ما قيل ونشر في الصحف التونسية بين 26-07-و 13-09 -1961 )117 قصيدا تونسيا) ترى هل يطلع علينا اليوم في رحم الشعراء ومن أصحاب الألقاب العليا والدكاترة ما يضاهي صدق اللّفظة الشعرية وروعة التأثير في النفس؟؟؟.
أنا أنتظر
محمد الصادق عبد اللطيف
إرسال تعليق