حوار اجرته معي الكاتبة غادة على كلش ونشر بمجلة الكفاح اللبنانية
محمود الحرشاني: الكّتاب العرب فقراء
:غادة علي كلش
جمع الكاتب التونسي محمود الحرشاني خطوط الصحافة المكتوبة والمسموعة،في يد، وخطوط البحث والنقد والفكر، في اليد الأخرى. واستطاع طيلة أربعة عقود من الزمن،أن يخط بصمة مضيئة في الساحة الثقافية بتونس، بشكل خاص، وفي الدول العربية،بشكل عام،عبر أعماله ومؤلفاته العديدة. هنا حوار معه، لم يخل من الصراحة والفائدة المثلى:
■الكاتب التونسي محمود الحرشاني،هوإعلامي،وناقد
أيضاً. إلى أي مدى يتكامل البحث الفكري،والتأليف الجمالي،والخبر الاستقصائي،في قلم رجل واحد ؟
– من فضل الله علي، أن تجدني اجمع بين هذه الصفات،ولو بنسب متفاوتة. وأنا مدين لعملي في الصحافة،أنْ أدخلني إلى مجالات أخرى، مثل الأدب والبحث والنقد،لا من زاوية المتلقي فقط. وإنما من زاوية الفاعل أيضا. وبقدر حرصي على النجاح في عملي الأصلي،كصحفي وإعلامي. فإنني أسعى نفس القدر،إلى أن أكون مساهما في مجالات أخرى،مثل النقد والتأليف الجمالي،وحتى النتاج الإذاعي،وفي هذا المحور بالذات، فأنا اعتز بأنني أنتجت عديد البرامج الإذاعية،بإذاعات تونسية،مثل صفاقس والمنستير وقفصة. اهتممت فيها بجوانب أدبية وثقافية عديدة،وأعطتني الفرصة لكي استند إلى عديد المراجع،من اجل تقديم مادة إذاعية تفيد المجتمع وتضيف إليه. مثل برنامج جوائز أدبية الذي اهتممت فيه بموضوع الجوائز الأدبية في العالم العربي. وتحول بعد ذلك إلى كتاب وبرنامج نزهة في صحافة الماضي،الذي تناولت فيه بالبحث أسباب توقف الدوريات التونسية القديمة. وتحوّل هو أيضا إلى كتاب وبرنامج “قول على قول” الذي اهتممت فيه بمقدمات الكتب التاريخية والأدبية. وجمعت حلقاته أيضا في كتاب. ولم أهمل في اهتماماتي الصحافة الاستقصائية،ولعل كتابي “البحث عن فكرة” الذي جمعت فيه حواراتي مع شخصيات ثقافية وإعلامية عربية هي قوم خير شاهد على ذلك. أما الجوانب الجمالية فإنها كانت تحتل اهتماما مني على أساس أني اعتبر أن الأدب هو بوابة الجمال. وكتبي في هذا المجال عديدة اذكر منها “مذكرات صحفي في الوطن العربي” و”نبض الوجدان” و”دفتر سفر” و”بلا قيود” فضلا عما كتبته للأطفال من قصص تدخل في هذا المجال أيضا.
■تتعدد مؤلفاتك بين الأدب والثقافة والصحافة، ماذا عن الرواية أين أنت منها خصوصا وإنها أضحت دينامو الأسواق العربية؟
– كتبي المنشورة ستة عشرة كتابا. وهي كما قلت موزعة بين أغراض ثقافية وإعلامية مختلفة. ولكن لا توجد من بينها رواية واحدة،وانْ عدّ بعض الأصدقاء بعض كتبي من باب الروايات،مثل كتابي” دفتر سفر” الذي يدخل في باب السيرة الذاتية أو المذكرات، وكتابي “نبض الوجدان”. ولكن الرواية بمعناها المتعارف لم اكتبها بعد،وهي علم قديم يطل علي بين الفينة والأخرى، ليقول لي إني مازلت اعلم الكائن في أحشائك وانتظر الخروج إلى الدنيا. ورغم أن عدداً من أصدقائي النقاد والإعلاميين يعتبرون إنني امتلك أدوات كتابة الرواية، فإنني لم أغامر بعد بدخول هذا العالم. وأنا الآن اكتب سيرتي الذاتية في عالم الصحافة وشرعت في نشرها على حلقات في الصحف التونسية،وعديد المواقع الالكترونية. وربما ستكون هي المدخل لكتابة الرواية التي احلم بكتابتها في المستقبل القريب.
■أسست مهرجانات أدبية شهيرة في تونس ونلت جوائز عدة، ما هي ملاحظاتك على القيمة المادية والمعنوية للجائزة العربية التونسية بشكل خاص والعربية بشكل عام.
– في كتابي “جوائز أدبية في العالم العربي” تحدثت عن عالم الجوائز الأدبية، ليس فقط في تونس وإنما في عديد الدول العربية. وعرّفت بأهم هذه الجوائز مثل جائزة البابطين للشعر وجائزة سلطان العويس الثقافية وجائزة الملك فيصل العالمية وجائزة الأدب الجغرافي وجائزة ناجي نعمان وجوائز تونسية كثيرة تسند في مجالات عدة.
وتبين لي أن الجائزة تشكل دافعا قويا وحافزا مهما، لمن يحصل عليها لإثراء تجربته. و لكن بعض هذه الجوائز لا تخلوا من شوائب،وبعضها يوفر له قيمة كبيرة ويتمتع بمصداقية عالية . ومهما يكن من أمر فان الجائزة تبقى أداة ضرورية لتشجيع المبدعين وإشعارهم بأهمية أعماله وتأكيد تفوقهم. كما أنها من الجانب المادي تساعد الحاصل عليها،لتحسين أموره المادية. لأن الكتّاب العرب جميعهم فقراء وإمكانياتهم المادية محدودة.
■كونك إعلاميا وصحفيا اختبر كواليس الصحافة ومطالبها على مدى أربعين عاما. كيف تقرا أسباب تقهقر مؤسسات إعلامية عربية على الصعيد المالي والتمويلي، وفي أسباب توقف بعض المجلات والصحف، في لبنان وحتى في الأمارات وما سواها من الدول؟
– يعتصر قلبي ألما وحسرة عندما أتحدث على هذا الموضوع. فقد عشت شخصيا التجربة بتوقف مجلة مرآة الوسط التي أسستها بعد اثنتين وثلاثين سنة عن الصدور،لأسباب مادية عجزنا عن تجاوزها،رغم ما أصبحت تتمتع به المجلة من مكانة في المشهد الإعلامي والثقافي التونسي. ومع مرآة الوسط و قبلها توقفت صحف ومجلات كثيرة أخرى.
وبعضها الذي استمر يعاني صعوبات مالية جمّة تهدده بالتوقف عن الصدور قريبا.
وبعد الثورة في تونس، صدرت عديد الصحف والمجلات،لم يبق منها إلا عنوانا أو اثنين، رغم الطفرة التي عرفتها السنة الأولى من عمر الثورة.
ويعزى هذا في رأيي إلى ضيق سوق الإشهار الذي يشكل السند الأساسي لحياة أي مطبوعة وزحف وقوة الإعلام الفضائي،وكذلك انتشار الصحافة الالكترونية، فلم يعد بمقدور الصحف والمجلات الورقية أن تصمد وتستمر وتواصل تكبد الخسائر المادية. فضلا على أن الإقبال على القراءة أصبح محدودا ومع انتشار الفيس بوك أصبح القارئ يلجأ إلى هذه الوسيلة السهلة وترك الجرائد والمجلات. وهناك صحف ومجلات كثيرة اليوم،مهددة بالتوقف وحتى في أوروبا، توقفت عديد المجلات والصحف واكتفت بنسخها الالكترونية،وهذا أمر مؤسف جدا.
■بعض دول المغرب العربي وبالأخص الجزائر والمغرب، ارتقى مبدعوها في الفكر الفلسفي والرواية إلى مراتب مهمة. ماذا عن تونس، أين روائيوها وفلاسفتها، هل يقارعون باعتقادك كبار الأسماء المغاربية؟
-طرح السؤال بهذا الشكل فيه ظلم وتجن، باعتقادي،على المثقفين التونسيين لفائدة غيرهم. واعتقد ان تونس تزخر اليوم مثل الأمس بعديد الأسماء ذات الشهرة الكبيرة مثل الطاهر بن عاشور وابنه العلامة الفاضل بن عاشور، وأبو القاسم الشابي في الشعر،والمسعدي في السرد، وعبد القادر بن الحاج نصر وصلاح الدين في الرواية، وعز الدين المدني والحبيب بولاعراس في المسرح، والطاهر لبيب في علم الاجتماع وهشام جعيط وعبد السلام المسدي في الدراسات الالسنية و أبو القاسم محمد كرّو في البحوث التاريخية والحضارة والدكتور محمد الطالبي. ولا يمكن ان ننسى المرحوم محمد مزالي والأستاذ الشاذلي القليبي وجعفر ماجد ولا استطيع أن اعدد كل الأسماء. ويبدو أن المسالة تحتاج هنا الى أن تكون في تونس فضاءات ومنابر إعلامية قوية تستطيع أن تعرف بهذه الأسماء، و بعد موت مجلة الفكر لصاحبها محمد مزالي لم تتوفر في تونس مجلة قوية قادرة على فرض المبدعين التونسيين خارج الحدود وهي مسؤولية وزارة الثقافة.
■ماذا عن كتابك الجديد؟ هل تكرس به تجربتك السردية فيما يمكن تسميته بأدب الصحافة؟
– أولا تسمية أدب الصحافة تسمية تقسيمية لا تعجبني، لان الأدب هو أدب في معناه الشامل. وعندما نرضى بالتسمية على أساس الجنس سيكون عندنا أدب إذاعي الذي يكتبه الإذاعيون وأدب مسرحي الذي يكتبه المسرحيون إلى غير ذلك من التسميات الضيقة. و أنا اعتبر أن الأدب هو فضاء يتسع لكل الأصناف الإبداعية الأخرى.
أما عن كتابي الجديد، فهو اقرب إلى السيرة الذاتية منه إلى شيء أخر. و أنا في هذا الكتاب احصر تجارب ومواقف وذكريات أربعين سنة من عمري في عالم الصحافة. واعتقد انه من المهم أن يطلع القارئ العربي على تجربة مهمة في عالم الصحافة،تواصلت كل هذه السنوات بما فيها من نجاحات وخيبات ومواقف وذكريات، وربما سيكون الكتاب مهما جدا لدارسي الأدب ودارسي الصحافة أيضا.
■هل يمكن القول ان تونس عبرت الآن بسلام عتبة الحريات الحضارية، بعد قيام الثورة الأخيرة ؟
– نعم، يمكن أن نقول هذا، خاصة بعد المصادقة على الدستور الجديد الذي يؤسس للجمهورية الثانية، ويكرس الحريات على نطاق واسع. واعتقد ان تونس تجاوزت اليوم الفترة الصعبة من تاريخها،وقد خفت شخصيا كمواطن تونسي ومثقف على بلادي،من خطر تواصل الأزمة الخانقة التي تردت فيها خلال السنة الأخيرة،وهي أزمة لم تشهد لها البلاد مثيلا في تاريخها والحمد لله،إن الشعور بالمسؤولية الذي تحلى به الجميع،هو الذي ساعد على تجاوز هذه المرحلة الصعبة بسلام، فبعد انجاز الدستور والمصادقة عليه ونشره واعتماده رسميا، تم الانتهاء من تشكيل الهيئة العليا للانتخابات،التي ستعد للانتخابات الرئاسية والتشريعية المنتظرة. وتم تكوين حكومة جديدة من كفاءات مستقلة بقيادة شخصية أظهرت استطلاعات الرأي الأولى رضا غالبية الشعب التونسي على أدائه،وهو محل ارتياح حتى في مظهره واطلالاته التلفزية، وهذا سيساعد البلاد على أن تمر بسرعة إلى الانتخابات، وإنهاء المراحل الانتقالية التي طالت كثيرا وأضرت بها سياسيا واقتصاديا وثقافيا.
إرسال تعليق