حياتي في الصحافة من الهواية الى الاحتراف
ذكريات عن مؤتمر قفصة الاستثنائي للاتّحاد العام التونسي للشغل
بقلم محمود الرشاني
البطاقة الصحفية التي اسندت لي لمواكبة اشغال المؤتمر
في منتصف شهر افريل من سنة 1981 اتصل بي هاتفيا الاستاذ المرحوم كمال مبارك رئيس التحرير المركزي بوكالة تونس افريقيا للأنباء ليعلمني بأنه تم تكليفي رفقة الزميل المرحوم علي الجرّاية بتغطية اشغال المؤتمر الاستثنائي للاتحاد العام التونسي للشغل الذي تقرّر عقده بمدينة قفصة يومي 29 و 30 من نفس الشهر وأضاف المرحوم كمال مبارك وهو لا يترك لي فرصة حتى للاعتذار او الاستفسار بانه وقع الاختيار علي انا والزميل علي الجراية للقيام بهذه المهمة لعدة أسباب من بينها خاصة اننا وجهان غير معروفين لدى النقابيين وكذلك لتجربتنا في تغطية احداث مهمّة سياسية شهدتها البلاد من قبل. والزميل المرحوم علي الجرّاية كان وقتها مديرا لمكتب وكالة تونس افريقيا للأنباء بصفاقس والجنوب امّا انا فقد كنت مراسل الوكالة المعتمد في سيدي بوزيد وترددت وقتها اخبار مفادها رفض النقابيين لحضور ممثّلين عن الاعلام التونسي وخاصّة عن وسائل الاعلام الرسمية لعدّة اسباب منها موقف وسائل الاعلام من الازمة التي كانت قائمة بين الحكومة برئاسة المرحوم محمد مزالي والاتحاد التونسي للشغل وموقف بورقبية رئيس الجمهورية شخصيا من زعيم الاتحاد المرحوم الحبيب عاشور الذي كان وقتها تحت الاقامة الجبرية. وكان الاتحاد قد حلّ وتعوّضه لجنة وطنية نقابية بقيادة السيّد نور الدين حشّاد ابن النقابي الكبير الزعيم فرحات حشاد.
ويبدو انه لتجنّب الصدام والحرج وربّما المنع من تغطية اشغال المؤتمر تمّ الاختيار عليّ انا والزميل علي الجرّاية لأننا لسنا معروفين لدى النقابيين الذين سيحضرون المؤتمر كما تمّ الاختيار على الزميل مختار اللواتي من اذاعة صفاقس ليكون مبعوث الاذاعة الوطنية وإذاعة صفاقس للمؤتمر والزميل مختار اللواتي هو نقابي وكان ضمن نقابة اذاعة صفاقس وناله الايقاف عن عملة والسجن لمدة ستّة اشهر نتيجة مواقفه النقابية وهو نفس العقاب الذي ناله الزميل المرحوم عيد الرزاق بوستّة ايضا من نفس المؤسّسة.
اذن كنا على قناعة منذ البداية انا والزميل علي الجراية ان مهمّتنا ليست سهلة وهي مهمّة صعبة لأننا مطالبون بان ننقل فعاليات المؤتمر وما يدور فيه من حوارات ونقاشات وما سيسفر عنه من نتائج دون ان يتم ربّما التفطّن الينا حتى لا نكون عرضة للاعتداء او الطرد او المنع من التغطية عن طريق وسيلة الاعلام الرسمية الاولى في البلاد.
ومؤتمر قفصة الاستثنائي للاتحاد الام التونسي للشغل هو مؤتمر تاريخي ومفصلي لأنّه انعقد في ظرف حساس جدّا، في عمق الازمة بين رئيس الجمهورية الزعيم الحبيب بورقيبة والحكومة من ناحية والقيادة الشرعية للاتحاد العام التونسي للشغل من ناحية ثانية.
وكان وقتها الزعيم التاريخي للاتحاد العام التونسي للشغل الحبيب عاشور تحت الاقامة الجبرية وعدد من القيادات من الاتحاد زج بها في السجن وتم تنصيب قيادة موالية للاتحاد او ما يعرف بالشرفاء بقيادة التيجاني عبيد وهذه الاخيرة كانت لها اتحادات جهوية تابعة لها في كل ولاية ولكن لم يكن لها اي حضور او مصداقية لدي النقابيين.
وبوصول المرحوم محمد مزالي الى الوزارة الاولى سنة 1980 بدأت الساحة النقابية تشهد بعض الانفراج فتم اخراج الحبيب عاشور من السجن ووضعه تحت الاقامة الجبرية وإخراج عديد القيادات الاخرى من السجون وتكوّنت اللجنة الوطنية النقابية برئاسة نور الدين حشاد لتحلّ محلّ الاتحاد المنصب او اتحاد الشرفاء وتكلّفت هذه اللجنة بإعداد المؤتمر الاستثنائي للاتّحاد كتتويج لكل مبادرات رأب الصّدح.
وتقرّر ان تحتضن مدينة قفصة باعتبارها مدينة الثقل النقابي ومسقط راس الزعيم النقابي الكبير احمد التليلي هذا المؤتمر وحدد موعده بيومي 29-30 افريل 1981 انعقد المؤتمر بدار الشعب بقفصة وسط حضور نقلبي مكثّف من الوجوه النقابية الشرعية للاتحاد من كافة الولايات.
واذكر اليوم الاوّل بكل تفاصيله عندما استحال على السيّد نور الدين حشاد وكان يرأس المؤتمر ان يفتح الأشغال في موعدها المحدد نتيجة ضغط النقابيين بالدعوة الى رفع الاقامة الجبرية عن الزعيم الحبيب عاشور قبل كل شيء وكشرط اساي للدخول في المؤتمر وكانت هتافات النقابيين وصيحاتهم تملأ القاعة باللغة الفرنسيةAchour , achour ولم يتسنّى الانطلاق في الشغال الاّ عندما اعلم السيّد نور الدين حشاد الحاضرين بأنه تلقى وعدا من الوزير الاوّل محمد مزالي برفع الاقامة الجبرية عن الحبيب عاشور بعد اقناع رئيس الجمهورية الحبيب بورقيبة بذلك كما تدخل النقابي الكبير حسين بن زروق اصيل قفصة ورفيق الحبيب عاشور وقدم تطمينات بقرب رفع التحجير عن الحبيب عاشور وأكد ان الاتحاد اقوى من الاشخاص مهما كانوا وانه من مصلحة النقابيين والاتحاد عقد هذه المؤتمر.
وبذلك تم المرور الى اشغال هذا المؤتمر التاريخي وما تخلله من نقاشات وصدامات احيانا بين النقابيين كنت شاهدا عليها وانتهى المؤتمر بانتخاب المكتب التنفيذي الجديد وانتخب فيها السيّد الطيّب البكوش من نقابة التعليم العالي امينا عاما للاتحاد والّذي سيصعد نجمه فيما بعد.
وكانت تلك اوّل معرفة لي بالسيّد الطيّب بكّوش عندما تمّت دعوة الاعلاميين والصحافيين الى ندوة صحفية قدّمت فيها نتائج المؤتمر وأذكر اني أخذت منه اوّل تصريح لوسيلة اعلام تونسية بعد انتخابه.
إرسال تعليق