مقال محمود الحرشاني // المرزوقي وكتابه الاسود

مقال محمود الحرشاني
المرزوقي وكتابه الاسود



المرزوقي وكتابه الأسود

*بقلم محمود الحرشاني



لا أعتقد أنّ الرّئيس التونسي المؤقّت المصف المرزوقي اختار التوقيت المناسب، لنشر كتابه الأسود الّذي قوبل بامتعاض ورفض من قبل أغلب التونسيين وفي مقدّمتهم الاعلاميين والصحافيين الّذين استهدف الكثيرين منهم المنصف المرزوقي ونشر أسماءهم في كتابه للتشهير بهم على أساس تعاملهم مع النظام السابق الى جانب أعداد من المثقّفين والكتّاب والجامعيين.
وقد نددت نقابة الصحافيين بنشر هذا الكتاب خصوصا أن نشره لا يخلو من أغراض سياسية انتقامية تستهدف اعلاميين وصحافيين كما عبّر وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية عن قناعته بأن أرشيف الدولة يجب التصرّف فيه بطريقة سليمة وليس بطريقة انتقامية الهدف منها انتقام أو التشفّي، وكان يجب انتظار سن قانون العدالة الانتقالية الّذي يرقد آلاف في صفوف المجلس التأسيسي مؤكّدا أنّه لا يحقّ لأي جهة تملك وثائق وأرشيف أن تتصرّف فيه بطريقة فردية وانتقائية وعشوائية أمّ الصحافيون والإعلاميون فقد رد بعضهم الهجوم  بتوجيه انتقادات لاذعة الى الرّئيس المرزوقي وأكّد عدد منهم عزمهم على التوجّه الى القضاء لمقاضاة رئاسة الجمهورية ودائرة الاعلام والاتصال في الرئاسة لما لحقهم من تشويه جرّاء نشر أسمائهم في هذا الكتاب الّذي حقق أكبر نسبة تداول على الإنترنت وربّما في هذه النقطة بالذات يكون المرزوقي أشفى غليله في الانتقام من الصحافيين والإعلاميين والمثقّفين وكلّ من ورد اسمه في هذا الكتاب الغريب.
يبدو أنّ المرزوقي الرّئيس الّذي يعيش شبه عزلة في قصر قرطاج الّذي ورثه عن بن علي و الّذي لا يترك مناسبة دون مهاجمته ويتقاضى راتبا شهريا يفوق ما كان يتقاضاه الرؤساء الثلاث السابقون للمرزوقي وهم الزعيم الرّاحل الحبيب بورقيبة والرّئيس زين العابدين بن علي والرئيس المؤقّت الأوّل فؤاد المبزّع. ولكن رغم عزلته في قصره وتجريده من كلّ الصلاحيات تقريبا فانّه لا يترك مناسبة دون أن يثير جدلا من خلال اتّخاذه لمواقف يرى الكثيرون انّها غير مدروسة.
ومنها نشر هذا الكتاب الّذي يستهدف تشويه الاعلاميين والصحافيين والكتّاب وبعض المحامين وحتى ان ثبت تورّطهم وضلوعهم في منظومة فساد فليست الرّئاسة الجهة المخوّلة لفضحهم والتشهير بهم وليس الرّئيس هو الّذي يفعل هذا ... فهناك أطر وهياكل أخرى هي المؤهّلة للقيام بهذا العمل الشاق والدّقيق بعد المرور بالقضاء وتوفير آليات الدّفاع عن النفس... ولكن المرزوقي المستعجل دائما حتى في خطبه المرتجلة حيث نجده أحيانا يكرّر نفس الجملة أو المقطع ثلاثة مرّات في خطابه قفز على كلّ هذه الأطر وقام نشر هذا الكتاب الأسود الّذي شوّه فيه سمعة أسماء بارزة في الساحة الاعلامية لم يغفر لها المرزوقي انّها لم تعطه الحضوة والأهمّية الّتي أعطتها لبن علي أو لبورقيبة... وهنا يشتم الجميع رائحة تدخل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الّذي يرأسه المرزوقي والّذي يندرج نشر هذا الكتاب قضائي في سياق ما يتّخذه هذا الحزب من مواقف غريبة وشاذّة بهدف التميّز ربّما ويهدف التموقع من جديد في المشهد السياسي والبحث عن مكانة في الساحة السياسية لم يكتسبها يوما أصلا وحتى لن اكتسبها فهي ضيّقة ومحدودة جدّا.
فهو حزب صغير ولا حضور شعبي كبير له والمواقف التي يتّخذها مواقف في أغلبها شاذّة وغريبة وصادمة للرأي العام وللتونسيين.
وبالإضافة الى الصحافيين والإعلاميين الّذيان استهدفهم المرزوقي في كتابه نجد فئة كبيرة من المثقّفين والجامعيين وحتى من دعي ذات مرّة لإلقاء محاضرة في قصر قرطاج اعتبره المرزوقي زلما وأدرجه في منظومة الفساد وهو ما أثار مثلا حفيظة الاستاذة الجامعية ألفة يوسف بعد ادراج أسمها في الكتاب لمجرّد القائها لمحاضرة في قصر قرطاج بعنوان "المرأة و الجمهورية" فردّت بعنف وقالت مخاطبة المرزوقي "بن علي أرجل منك" وتحدّته أن يثبت بالوثائق والأدلّة تورّطها في منظومة فساد أو تلقّي رشاوي من الرّئاسة ومن المفارقات الغريبة ان الصحفي الّذي سرّب الكتاب وروّج له في قناة المتوسّط المقرّبة من  الترويكا الحاكمة هو نفسه مورّط في كتابه مقال شهير منوّها فيه بخصال ليلى بن علي ولكن لم يقع ذكره في الكتاب كما أنّ المرزوقي نفسه مورّط في كتابه مقالات مدحية  في بن علي ولم يقع ذكره في الكتاب.
ومن الطرائف التي لم يخلو منها الكتاب والتي اثارت الكثير من التعاليق الطريفة على الفايس بوك الزج ببعض الأسماء الفتيّة ذات الشهرة الشعبية الواسعة على غرار الفنّانة الشعبية فاطمة بوساحة أو الفنّان نور شيبة أو بعض الاعلاميين العرب الّذي لا يشكّ أحد في مصداقيتهم على غرار الاعلامي والصحفي الكبير عبد الباري عطوان أو الصحفي المصري أسامة سرايا.
ولم تنجو من أذى هذا الكتاب المرزوقي
 الأسود نسبه الى صاحبه والى لونه حتى بعض الأسماء التي انتقلت من سنوات الى رحمة الله وغادرت هذه الدنيا مثل الدكتور محمد الصالح الجابري والصحفي نور الدين الهلالي ويوسف علوان  وقد توفّاهم الله منذ سنوات.
وهنا علّق أحد الصحافيين التونسيين ان كان عبد الباري عطوان مورّطا في منظومة الفساد الاعلامي النوفمبرية للرّئيس السابق بن علي فلا غروّ أن تتجاوز قائمة الاعلاميين التونسيين الموجودين في الكتاب الى 200 اسم أو أكثر مع التركيز على الأسماء البارزة والناجحة دون غيرها.
محمود الحرشاني
كاتب ومحلّل سياسي من تونس
مدير جريدة وراديو قمر نيوز

comments

أحدث أقدم