قراءة في كتاب //
خمسون سنة من الوفاء لبورقيبة //
للكاتب والصحفي محمود الحرشاني
بقلم
محفوظ الزعيبي
كاتب تونسي
البحث في تاريخ الحركة الوطنية والوقوف عند أهم المحطات التي كانت نقاطا مفصلية في تاريخ تونس الحديث، ما زال يتطلب تأليف العديد من الكتب لاستقراء الوثائق المتوفرة، وإعطاء كل ذي حق حقه.
في هذا الإطار سبق للزميل الصحفي المقتدر محمود الحرشاني أن أصدر كتابا يتحدث عن علاقة الزعيم الحبيب بورقيبة بولاية سيدي بوزيد ومساهمة أبنائها في الحركة الوطنية، وأهم المعارك الوطنية التي شهدتها ولاية سيدي بوزيد من أجل تحرير البلاد وتحقيق استقلالها. وكذلك مساهمة أبناء هذه الجهة في معركة الجلاء عن بنزرت... ولكن هذا الكتاب، وقع التعتيم عنه في العهد السابق ولم يتم التعريف به وبمضمونه، رغم أهميته التاريخية حتى أن العديد من أقسام التاريخ في كليات الآداب، ومنها قسم التاريخ بكلية الآداب بصفاقس، طلبت هذا الكتاب وإضافته إلى مكتبتها.
الكتاب يقع في نحو 64 صفحة من القطع المتوسط، وتتصدر غلافه صورة نادرة تجمع الزعيم الحبيب بورقيبة مع عدد من مقاومي ومناضلي سيدي بوزيد في اجتماع سري ليلا على ضوء فانوس، وذلك قصد التخطيط لمقاومة المستعمر، ويبدو أن هذه الصورة قد التقطت في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات أثناء إحدى الزيارات التي قام بها الزعيم الحبيب بورقيبة إلى هذه الربوع.
وفي مقدمة الكتاب يقول المؤلف الزميل محمود الحرشاني أن هذا الكتاب الصغير الحجم ما هو إلا محاولة للتعريف بتاريخ الحركة الوطنية، في ربوع ولاية سيدي بوزيد ومساهمة أبنائها وهي التي دفعت بالعديد من أفواج المقاومين والمناضلين في الحركة الوطنية، من أجل تحرير البلاد وكانت العديد من جبالها وأوديتها أماكن لمعارك طاحنة استشهد فيها من استشهد في سبيل تحرير الوطن وتحقيق استقلاله.
الكتاب غني بالوثائق والمراجع، من ذلك أننا نجد به مجموعة من الرسائل الخطية بخط يد الزعيم الحبيب بورقيبة موجهة إلى عدد من مقاومي ومناضلي ولاية سيدي بوزيد يستحثهم فيها على الجهاد من أجل تحرير البلاد وتحقيق الاستقلال، مكبرا في أبناء الجهة ما أبدوه من حماس واستماتة وتجاوب مع ندائه. كما يتضمن الكتاب مقتطفا من أحدى خطب الزعيم الحبيب بورقيبة يقول فيه : كنت في صائفة 1934 أعقد اجتماعا في القيروان، غير مبال بحرارة الطقس أو تصبب العرق ومعي الأستاذ "فيليسان بتالي" الفيلسوف الفرنسي وعقيلته، ولما انتهيت من الاجتماع، وجدت قميصي مبللا بالعرق، وكنت قاصدا بلدة سيدي بوزيد فاضطررت إلى خلع قميصي في السيارة وأمسكت مقودها بيد بينما أخرجت الأخرى من النافذة ممسكا بالقميص في محاولة لتجفيفه أثناء الطريق وعلى مقربة من البلدة أوقفت السيارة وارتديت القميص، ولم أنقطع يوما عن العمل لتحقيق الاتصال المباشر.
يأخذنا كتاب الزميل محمود الحرشاني في رحلة تاريخية ممتعة بدأ من سنة 1881، وفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية حيث استشهد خلال هذه الفترة عدد كبير من أبناء هذه الجهة ذكرهم مؤلف الكتاب بالاسم ثم يتحدث المؤلف عن بداية تأسيس الحزب الاشتراكي الدستوري وانعقاد مؤتمر قصر هلال مثلت فيه الجهة بنائبين، ثم بداية تأسيس الشعب ومشاركة أبناء الجهة في حوادث 9 أفريل 1938.
ويخصص المؤلف فصلا طويلا للحديث عن زيارات الزعيم الحبيب بورقيبة إلى سيدي بوزيد لاستنهاض همم أبنائها وتحفيزهم للمشاركة في الكفاح التحريري، ومن أطرف ما نطالعه في هذا الفصل، قصيدين شعريان غير معروفين لابن الجهة المرحوم محمد الحضري النائلي ألقاهما ترحيبا بالزعيم الحبيب بورقيبة سنة 1950 والآخر سنة 1951 ونجد في الكتاب صورة نادرة للزعيم الحبيب بورقيبة وقد اجلس إلى جانبه أثناء مأدبة غداء في إحدى زياراته الشاعر الشاب آنذاك محمد الحضري النائلي بعد أن ألقى بين يديه إحدى قصائده.
وتضمن الكتاب تعريفا بأهم المعارك الوطنية التي دارت رحاها بتراب سيدي بوزيد وكذلك المعارك الوطنية الأخرى التي شارك فيها أبناء الجهة. ونقف هنا على العدد الكبير من هذه المعارك الوطنية واستبسال أبناء سيدي بوزيد في الدفاع عن الأرض والكتاب غني بأسماء المقاومين الذين قادوا وشاركوا في هذه المعارك.
ويخصص المؤلف الجزء الأخير من الكتاب للحديث عن معركة الجلاء ببنزرت ومساهمة أبناء سيدي بوزيد فيها.
وفي الكتاب وثيقة نادرة بعنوان "شهداء ولاية سيدي بوزيد من الاحتلال إلى الجلاء، وهي وثيقة فريدة تضم أسماء شهداء الجهة الذين استشهدوا في معارك وطنية من أجل تحرير الوطن الغالي ورغم قيمة هذا الكتاب الوثائقية والتاريخية فقد وقع التعتيم عنه في العهد السابق ولم يحظ بالتعريف أو الدعم بل أنه لم يوزع أصلا إلا بشكل محدود بين الأصدقاء.
ونعتقد أن هذا الكتاب غير المعروف للزميل محمود الحرشاني المدير ورئيس تحرير مجلة مرآة الوسط هو من الكتب المرجعية لأنه يوثق لمساهمة إحدى أهم جهات البلاد في تاريخ الحركة الوطنية من بداية الاحتلال إلى معركة الجلاء
محفوظ الزعيبي//
اكاتب وعصو اسرة تحرير مجلة مرآة الوسط.
مؤلف الكتاب الزميل محمود الحرشاني في صورة تاريخية مع الزعيم بورقيبة
إرسال تعليق