مقال رئيس التجرير بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة




هواء طلق
بقلم: *محمود الحرشاني
‏‎Mahmoud Horchani‎‏


أنا حزين في اليوم العالمي
 لحرّية الصحافة
يبدو أنّ لا فائدة ترجى من إثارة موضوع الصّعوبات التي تعترض الصحافة الجهوية المكتوبة في تونس اليوم... ما دام الكل، حكومة ومؤسّسات وأفراد لا يولّون لهذا الموضوع أي اهتمام أو حتى يتوقفون عنده مجرّد التوقّف. وكنت سأخصّص مقالي هذا الأسبوع لتناول موضوع آخر، مثل تداعيات إعلان السيّد الباجي قائد السبسي ترشّحه للرئاسة، وهو موضوع يحظى بالاهتمام الشعبي والإعلامي هذه الأيّام، بعد أن يئست شخصيا من إثارة موضوع المشاكل والصّعوبات الّتي تتخبّط فيها الصّحافة الجهوية في تونس اليوم. لولا حرصي على عدم التسليم بالهزيمة، خصوصا في هذا اليوم الذي نحتفل فيه بحرّية الصّحافة والّذي يصادف اليوم الثالث من شهر ماي من كلّ سنة.
فكيف يمكن لصحفي أمضى أكثر من ثلاثة عقود في هذه المهنة الشاقّة أن يحتفل بيوم حرّية الصحافة وهو مهدّد في رزقه بل وأكثر من ذلك مهدّد بما هو أسوأ...
    لقد كانت تصدر في تونس قبل الثورة ستّة صحف ومجلاّت جهوية، ورغم قلّة هذا العدد بالمقارنة مع ما هو موجود في دول أخرى عربية وأوروبية أمنت بأهمّية الجهوية ودروها.
ووفّرت لها سبل التطوّر والإشعاع وقدّمت لها الدعم المادّي المطلوب... فانّ هذه العناوين الستّة بدأت تتهاوى كأوراق الخريف، بعد الثورة، واحدة تلوى الأخرى... ولم يصمد اليوم إلا عنوان أو اثنين وبقية الصّحف والمجلاّت الجهوية اندثرت وغابت عن الساحة، وكأنها لم تكن أو لم تنشط على امتداد عقود.
ومع الأسف لم تقدّم الحكومة أي دعم لهذه الصّحف والمجلاّت الجهوية، ولم تحاول أن تساعدها على الصّمود... بعد أن حجبت عنها كلّ وسائل الدّعم والتشجيع الّذي كانت تحظى به هذه الصّحف والمجلاّت. على غرار منحة الدعم السنوي الموجّهة للصحف الجهوية من ميزانية الدولة وتمكين هذه الصّحف والمجلاّت من نصيب من الإشهار العمومي يغطّي جانبا من تكاليفها...
ويبدو أن الصحف الجهوية في تونس، تلاحقها لعنة الصدور في عهد بن وعلي وتهمة إعلام العار وهي السبب الّتي جعل حكومة الترويكا لا تقدّم أي دعم للصحف الجهوية، وتركتها تتخبّط في مشاكلها، وتواجه مصيرها.
ونعتقد أن هذا التصرّف هو أشبه شيء بالعقوبة الجماعية لهذه الصحف والمجلاّت. وهو أمر لا يستقيم وليس له ما يبرّره طالما أن الصحف والمجلاّت الجهوية هي قطاع هش وليس لها موارد مالية وذاتية كبيرة تجعلها تستغني عن دعم السلطة وتشقّ عصا الطاعة في وجه السلطان ... فتحرم بالتالي من الدعم والإشهار العمومي الّذي كانت تتحكّم فيه الدولة. وبغياب هذا الدعم الّذي كانت تقدّمه الدولة أو يقدّمه السّلطان، بدأت هذه الصّحف والمجلاّت تتهاوى واحدة بعد أخرى.
إنّ الدولة ممثّلة في الحكومة مطالبة بتقديم الدّعم المادّي للصحافة الجهوية حتى تستمرّ في أداء رسالتها والقيام بدورها. ويكفي أن نعلم أن المغرب مثلا يخصّص سنويا حوالي تسعين مليون صنتيم لدعم الصّحف الجهوية في شكل منح ومساعدات إلى جانب تمكين هذه الصّحف من الإشهار العمومي... وكذلك الأمر في فرنسا حيث تحظى الصحافة الجهوية بدعم مالي مباشر في الدولة، فضلا عن الإشهار العمومي ودعم الورق والنقل وحلّ مشاكل التوزيع...
أمّا عندنا في تونس، فانّ الصحافة الجهوية في تونس بعد الثورة تعيش أسوأ أيّامها، وقد غابت أغلب العناوين الّتي كانت موجودة.
وما بقى منها يكابد الأمرّين، ومهدّد بالانقراض إن لم تسارع السلطة إلى إنقاذ ما تبقّى منها قبل أن تموت آخر مجلّة جهوية في تونس. !!! 
*كاتب و محلّل سياسي  ومدير جريدة وراديو قمر نيوز
hormahmoud@gmail.com

comments

أحدث أقدم