12.01.2013حوار مع الكاتبة العراقية هدية حسينالإبداع لا يعيش تحت مظلة الخوف وإنما في فضاء الحرية الواسع
بلدها العراق صار أقرب إليها وهي بعيدة عنه منذ سنوات طويلة، مثل لوحة تتضح كلما ابتعدَتْ عنها خطوات، فالعراق مكان رواياتها السبع وشخصياتها عراقية، وفيها تستجلب من الذاكرة الحروب والجرائم التي شوهت معالم وطنها الجمالية. الكاتبة العراقية هدية حسين تتحدث إلى الصحفية لينكس كوالي عن تأثير الغربة على أعمالها الأدبية.
هل هناك عمل أو أعمال ألهمتك أكثر من غيرها ووجّهتك نحو الكتابة؟ هل كانت البداية ردة فعل لشيء محدد؟
هدية حسين: سأبدأ الإجابة من الشطر الأخير وأقول: ليس ثمة شيء محدد أو حدث جاء فجأة وحوّل مسيرة حياتي باتجاه الكتابة بل اجتمعت ظروف ملائمة في طفولتي تحديداً هيّأتني لما سأكون عليه وجاءت مثل جرعات متتالية.
فأنا نشأت في عائلة تحب الشعر والغناء، أبي شاعر شعبي ومعظم أقاربي إما شعراء أو يحفظون الشعر وكان في بيتنا جهاز جرامافون وعشرات الاسطوانات لكبار مطربي العراق والعرب.
وبيتنا يقع على نهر دجلة، أحد أكبر أنهار العراق، حيث تشبعت مخيلتي بأساطير الماء وما للنهر من تأثير في حياة العراقيين، وكان أبي هو الذي يشجعني على القراءة ويأتيني بالكتب.
غلاف رواية الكاتبة العراقية هدية حسين تحت عنوان "ما بعد الحب" المفعمة بالغربة والحب، التي تم ترجمتها إلى الإنكليزية.
وفي بواكير حياتي الأدبية كنت أظن أنني سأصبح شاعرة كبيرة خصوصاً بعد فوزي بالجائزة الأولى على مستوى مدارس العاصمة بغداد وكنت وقتها في الثانوية. بعد ذلك اتّسعَت قراءاتي وتشعَّبت وصارت القصة والرواية من أولويات اهتماماتي.
ما طبيعة علاقتكِ بالكتاب والقُرّاء العراقيين؟
منذ خروجي من العراق قبل ثلاث عشرة سنة تواصلت أول الأمر سراً مع بعض الأصدقاء من الكُتّاب داخل العراق لأن اسمي كان في ( القائمة السوداء) التي وضعها النظام السابق.
وبعد زوال النظام عام 2003 صار الأمر يسيراً وتواصلتُ مع الكُتاب إما تلفونياً أو عبر النت أو من خلال الزيارات التي يقومون بها إلى عَمّان حيث كنت أقيم وتقام العديد من المهرجانات الثقافية ونتبادل الكتب والآراء وهموم البلد.
هل الانفصال المكاني عن بلد يقرأ أعمالك يبعث على التحرر؟ وهل يؤثر هذا الشعور على كتابتك؟ هل تتصورين أنه كان يمكن أن تكتبين بشكل مغاير لو كنتِ في العراق أو في الأردن؟
برغم خروجي من العراق عام 1999 إلا أنني لم أنفصل عنه مكانياً في الكتابة، وخصوصاً الكتابة الروائية، فرواياتي السبع مكانها وشخصياتها عراقية، وأنا أكتب ضد الحروب التي طالت بلدي وشوّهت معالمه الجمالية.
صار بلدي أقرب إليّ وأنا بعيدة عنه، مثل لوحة تتضح كلما ابتعدنا عنها خطوات، وقد منحني خروجي من العراق التعبير الحر عمّا أردت قوله وأنا في الداخل لأنني كنت داخل سلطة القمع المباشر.
وبالنسبة للأردن لم أشعر في يوم من الأيام بأنه غريب عني فهو بلد فتح لي ذراعيه وأبواب قلبه وساعدني على امتصاص الألم وقلص المسافات بيني وبين بلدي وأنا أشترك مع أبنائه باللغة والتاريخ والروح، ولذلك كتبت فيه أغلب رواياتي ومجموعاتي القصصية ومقالاتي النقدية.
لكن يبقى للابتعاد عن العراق جانب مؤلم أثر في كتاباتي سلباً، لأنني لم أعش الحرب الأخيرة وما تبعها من بشاعات في القتل المجاني وبذلك صار هذا الجانب مُغيباً في كتاباتي أو ليس مفصلاً أساسياً منه.
وبالمقابل أثر إيجابياً ذلك أنني تحررت وكتبت عن الحروب السابقة التي عشتها والظلم الفادح وعسكرة الحياة واختفاء الشباب في سجون النظام السرية والجرائم التي لا يعرف بها العالم أو لم يعرفها ولم يمر بها الا مروراً عابراً، كتبت دون خوف وكان النظام في أعتى تسلطه وله عيون مُندسة في دول الجوار.
"أنا أكتب ضد الحروب التي طالت بلدي وشوّهت معالمه الجمالية"، كما تقول الكاتبة العراقية هدية حسين.
ماهو مفهومك للرقابة وللرقابة الذاتية؟ وكيف تشعرين إزاء الرقيب الخارجي أو الداخلي؟ ما هو تصورك لعلاقة الكاتب مع الخوف ومع التحرر من الخوف؟
الرقابة موجودة في كل بلدان العالم ولكن بدرجات متفاوتة، وفي بلداننا العربية كارثة، إذ يشعر المبدع أن نصوصه قد لا تصل الى القراء بقرار من الرقيب الذي في كثير من الأحيان، لا تكون لديه ثقافة أدبية وإنما هو مجرد عنصر من عناصر السلطة، فتثيره عبارة هنا أو عبارة هناك فيمنع النص.
لكن الأصعب هي الرقابة الذاتية التي تتلفح بالخوف في ظل نظام يتعمد إخافة الناس ليبقى متسلطاً، أي أن الخوف يتراكم داخل المبدع فيُقيده وبالتالي يقوم هو بكبح شخصياته الروائية والقصصية من التعبير بحرية، لذلك فالكاتب الذي يفلت من هذه الرقابة يصل الى قلب وعقل القراء أسرع بكثير من ذلك الكاتب الخائف من رقابتين.
الإبداع لا يعيش تحت مظلة الخوف وإنما في فضاء الحرية الواسع. روايتي الأخيرة عنوانها( أن تخاف) وهي عن ذلك الخوف الذي تلبسنا جميعاً مطلع التسعينيات من القرن الماضي بعد الانتفاضة ضد النظام التي عمّت العراق من أقصى جنوبه إلى أقصى شماله، وجعلت النظام يستخدم أقوى وسائل القمع لإخمادها.
وفي هذه الرواية أيضا تناولت الخوف الداخلي للإنسان العراقي الذي صار يخاف من زلة الكلام قبل زلة القدم.
العلاقة بين التاريخ والذاكرة محور تهتمين به، ما هو موقفك من التواريخ الرسمية وغير الرسمية، ومن المقابلة بين الذاكرتين العامة والخاصة عندما تكتبين؟ هل تقومين بإجراء بحوث قبل الكتابة؟ ومتى تعتمدين بالدرجة الأولى على ذاكرتك ومخيلت؟
أنا أميل الى التاريخ الشفاهي الذي أدرسه عن قرب من الناس أو الذي أعيشه ويعيشه أبناء جيلي لأن التاريخ المكتوب عندنا هو تاريخ مشوه يكتبه الحكام والساسة المستبدون.
لكنني حين أضطر لذلك فإنني أدقق كثيراً في المعلومة التي أتناولها، بالنسبة للذاكرة فهي معيني الذي لا ينضب، أكتب من خلالها رواياتي وقصصي، وبمرور الوقت اندمجت ذاكرتي الشخصية بالذاكرة العامة لأن جروح الوطن أكبر من جروحي، ومحنته أوسع وأعمق من محنتيولذلك ترين أني لم أتخلص في الكتابة من كوارث بلدي برغم ابتعادي عنه.
وحينما يتعلق الأمر بحادثة حقيقية فإنني أبحث عنها
"صحيح أن أمريكا خلّصت الشعب العراقي من الدكتاتورية لكن ذلك كلَّف الشعب العراقي ثمناً باهظاً. لقد كلف ذلك العراق الآف الضحايا وخراب البلد"، كما تقول الكاتبة العراقية هدية حسين.وأدرسها وقد آخذ جزءاً صغيراً منها وأبني عليه معماري الروائي، لأن الكتابة الروائية والقصصية أيضاً لا تأخذ الأحداث كما هي وإنما لابد من أن يتدخل فيها الخيال والفن.
"صحيح أن أمريكا خلّصت الشعب العراقي من الدكتاتورية لكن ذلك كلَّف الشعب العراقي ثمناً باهظاً. لقد كلف ذلك العراق الآف الضحايا وخراب البلد"، كما تقول الكاتبة العراقية هدية حسين.وأدرسها وقد آخذ جزءاً صغيراً منها وأبني عليه معماري الروائي، لأن الكتابة الروائية والقصصية أيضاً لا تأخذ الأحداث كما هي وإنما لابد من أن يتدخل فيها الخيال والفن.
مهمة الروائي ليست مثل مهمة المؤرخ، لذلك يمكن أن نحذف ونضيف ونغير في الحدث في أعمالنا الروائية، وتعمل ذاكرتي بقوة على استخراج مخزونها وتضعه أمامي ولي من سعة الخيال ما يخدم عملي الفني.
هل تغير حياتك في كندا مفاهيمك عن قرائك أو عن كتابتك الروائية؟ هل تفكرين بالقراء الكنديين؟ هل يدخلون في وعيك؟ أم هل تكتبين للقراء العرب؟
مازلت أكتب لقراء عرب ما دمت أكتب بااللغة العربية حتى الآن، وبصراحة فإنني في المرحلة الراهنة لا أفكر بالقارىء الكندي لأنني لا أكتب بلغته، ربما ستتوطد العلاقة بيننا من خلال ما يُترجم لي من أعمال أو في حالة إتقاني للغة الانكليزية والكتابة بها.
إن حاجز اللغة هو الذي يتحكم حالياً بالعلاقة، وأنا أعمل جاهدة على تخطي هذه العقبة، وقد قررت حال الانتهاء من رواية اكتبها الان أن أكرس جهدي لإتقان اللغة الانكليزية لكي اقرأ الأعمال الأدبية بلغتها الأصلية وليست المترجمة.
لا تنسي فأنا حديثة عهد بالمجيء إلى كندا. وثمة تغيير في العمل الذي اشتغل عليه الآن، فقد دخلت شخصيات كندية فيه عايشتها عن قرب وهذا يعني أن من صادفتهم من الكنديين قد دخلوا وعيي بغض النظر عن كونهم قُرّاء.
هل وجودك في كندا يغير شخصياتك أو يغير علاقتك بالغرب أو بالسياسة، مثلاً، ما هو موقف هدية من أمريكا؟
الشخصيات داخل العمل الفني شيء والواقع شيء آخر، وإذا كان ثمة تغيير في الشخصيات بعلاقتها بالغرب فهو تغيير خاضع للعملية الفنية والسياق الذي تُكتب فيه.
ويختلف موقفي من أمريكا كشعب عنه كسياسة، أنا أحترم الشعب الأمريكي المتحضر، لكنّ لي موقفاً مختلفاً حيال السياسة الأمريكية في ما يتعلق بشعوب العالم الثالث، ولكي لا أتوسع بالإجابة سأقصر الأمر على ما حدث في العراق.
صحيح أن أمريكا خلصت الشعب العراقي من الدكتاتورية لكن انظري إلى ما يدفعه الشعب العراقي الآن من ثمن باهظ كلفه الآف الضحايا وخراب البلد.
كيف تنظرين للمستقبل القريب للكتابة والنشر العراقيين؟ هل يمكن للوضع أن يتحسن؟ هل تتصورين أنك ستركبين الطائرة لمناسبة تتعلق بالكتب؟
أعود الى ما يخص مستقبل الكتابة والنشر في العراق وأقول إن النتاج الإبداعي العراقي كبير لكنه لا يجد مؤسسة ثقافية تعنى به داخل العراق حيث توجد دار نشر حكومية واحدة، وقليل من دور النشر الخاصة التي لا يستطيع غالبية الكتاب تقديم أعمالهم اليها بسبب التكلفة المادية العالية التي يطلبها الناشر من المؤلف في هذه الدور.
وذلك على عكس ما يحدث في دول العالم المتقدم حيث يمكن للمؤلف أن يعيش من واردات كتبه، لذلك أنا غير متفائلة بمستقبل النشر في العراق ضمن هذه المعادلة المختلة إلا إذا تغير أسلوب التعامل وهذا أمر صعب على الأقل لسنوات مقبلة.
حاورَتها: م. لينكس كوالي
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013
إرسال تعليق