العلاقات بين أدباء المشرق والمغرب عبر المجلات الثقافية قديما وحديثا بقلم محمود حرشاني



العلاقات بين أدباء المشرق والمغرب عبر المجلات الثقافية قديما وحديثا



بقلم محمود حرشاني


مثلت المجلات الثقافية قديما وحديثا جسر ترابط متين بين أدباء المشرق العربي وأدباء المغرب العربي، واضطلعت المجلات الثقافية التي كانت تصدر من المشرق وخاصة في مصر مثل مجلات الهلال وأبولو في الثلاثينات من القرن الماضي بدور أساسي في التعريف بعدد من كتاب وشعراء بلدان المغرب العربي ونشر ما تجود به أقلامهم من شعر وقصص وبحوث، بل أن هذه المجلات كانت جسرا مرّ من خلاله عدد من شعراء وكتّاب المغرب العربي إلى ما كانوا يطمحون إليه من شهرة وانتشار واسع في ظل محدودية انتشار ما كان موجودا من مجلات محلية رغم أهميتها ودورها البارز في إثراء الحياة الثقافية والأدبية على المستوى المحلي والوطني....
ونذكر هنا الدور الكبير الذي اضطلعت به مجلة المباحث التونسية التي أنشأها الكاتب التونسي والمربي محمد البشروش وواصل إدارتها وااشراف عليها بعد وفاة مؤسسها الأديب الكبير محمود المسعدي، وكانت مجلة المباحث مثلما يذكر ذلك الباحث التونسي جمعة شيخة في مقدمة إصدار أعداد مجلة المباحث مجتمعة في مجلد واحد عن دار الكتب الوطنية أن مجلة المباحث اضطلعت بدور أساسي يشهد به لها في إثراء الحياة الثقافية في فترة حاسمة من تاريخ تونس، كان الاستعمار فيها مهيمنا على كل شيء وسعى إلى طمس الهوية الوطنية، فتصدت مجلة المباحث بما كانت تنشره من مقالات وأشعار وإنتاجات أدبية لأدباء تونس وشعرائها لكل محاولات طمس الهوية التونسية. ولا غرابة في ذلك إذا ما علمنا أن هذه المجلة كان يساهم في تحريرها كبار الكتاب والمثقفين التونسيين في فترة الأربعينات والخمسينات مثل المرحوم علي البلهوان والمرحوم العلامة محمد الفاضل بن عاشور ومحمود المسعدي وسلمان مصطفى زبيش الباحث في مجال الآثار والتاريخ والشاذلي القليبي وأبو القاسم الشابي وغيرهم من أعلام الأدب والفكر. ولو كتب لهذه المجلة أي مجلة المباحث الاستمرار لكانت في قدر ومكانة مجلات عربية رائدة مثل الهلال المصرية مثلا والآداب اللبنانية. ولكن هذه المجلة كان توزيعها وانتشارها محليا أي على امستوى الوطني فقط وإن كانت تصل إلى بعض المثقفين في الشرق عن طريق الارسال الخاص. ومع مجلة المباحث كانت هناك مجلة الندوة التي اضطلعت أيضا بدور ثقافي مهم واستقطبت عددا من الكتاب والشعراء واستمرت في الصدور لسنوات. وذكر لي الأستاذ البشير بن سلامة في شهادة خاصة في برنامجي التلفزي حوار فكري لقناة البابطين الثقافية التلفزية أن مجلة الندوة التي استمرت في الصدور إلى ما بعد سنة 1955 استطاعت أن تقوم بدور ثقافي كبير خاصة بعد توقف مجلة المباحث. وكان من كتابها في تلك الفترة علي البلهوان والفاضل بن عاشور ومحمد مزالي بل إن المرحوم محمد مزالي هو الذي تولى الاشراف على إصدار آخر عدد من مجلة الندوة بعد وفاة صاحبها. وقبل أن يفكر في إصدار مجلة الفكر التي صدر عددها الأول في نوفمبر 1955 أي قبل الاستقلال بسنة أو تزيد قليلا. ولكن مع ذلك ورغم الدور الكبير الذي قامت به مجلة الفكر على امتداد تاريخها واستمرار صدورها الشهري بدون انقطاع لمدة ثلاثين سنة وتفتحها على كل التيارات الفكرية والتجارب الأدبية وما كانت توفره من حرية للمبدعين والكتاب حتى أنها كانت فضاء لنشر ابداعات جلبت لها الويلات، فإن رغبة أدباء تونس وكتابها في تحقيق الانتشار الواسع كانت تملأ مهجهم منذ الثلاثينات وفي مقدمة هؤلاء صاحب البيت الشعري الشهير : ومن لم يعانقه شوق الحياة تبخر في جوها واندثر ومن لم يعانق صعود الجبال يعش أبدا الدهر بين الحفر. طبعا أقصد شاعر تونس الكبير وصاحب إرادة الحياة والصباح الجديد أبو القاسم الشابي ومن غيره ؟. لقد كان أبو القاسم الشابي سباقا إلى النشر في المجلات الشرقية والمصرية خاصة، احتفت به وإشعاره هذه المجلات أبهى ما يكون الاحتفاء...
وقدمته إلى قرائها كشاعر كبير من شعراء تونس مجددا، في شعره حلاوة وطراوة وابتكار وتجديد وهو صاحب صور غير مألوفة متميز عن غيره من الشعراء وكانت مجلة أبولو لصاحبها أحمد زكي أبو شادي أول مجلة مصرية تنشر أشعار الشابي في الثلاثينات من القرن الماضي واستمرت تنشر له أشعاره إلى تاريخ وفاته، بل إن ديوانه الأول أغاني الحياة أعدته للنشر مجلة أبولو المصرية. ونتبين من خلال مذكرات الشابي ورسائله ما كان يحظى به من تقدير من قبل أبو شادي صاحب مجلة أبولو وتقديره لمكانته الشعرية....
لقد فتح أبو القاسم الشابي بما كان ينشره من أشعار في مجلة أبولو الطريق أمام أدباء تونسيين آخرين للنشر في المجلات الشرقية وخاصة المجلات المصرية ذات الشهرة الكبيرة في ذلك الوقت. وتوطدت صلة أدباء تونس بالمجلات الشرقية في فترة الخمسينات خاصة بعد نيل تونس استقلالها في 20 مارس 1956 والدور الذي أصبحت تضطلع به مجلة الفكر في الحياة الثقافية وسعي صاحبها المرحوم الأديب محمد مزالي إلى ربط وتمتين علاقات تعاون مع مجلات ثقافية في المشرق والخليج. ...
وشكلت الزيارة التي قام بها المرحوم محمد مزالي على رأس وفد من الأدباء التونسيين للمشاركة في مؤتمر الأدباء العرب الذي احتضنته الكويت سنة 1958 مناسبة مهمة تربط علاقات متينة بين مجلة الفكر التونسية ومجلة العربي الكويتية. وكان الوفد التونسي يضم إلى جانب الأستاذ محمد مزالي الكتاب الفاضل بن عاشور ومحمود الباجي والشاعر الصفاقسي محمد الشعبوني. وحظي الوفد التونسي باستقبال حار من قبل رئيس مجلة العربي الكويتية التي تأسست في تلك الفترة وولدت من أول أعدادها مجلة كبيرة على غير سابق مثال شكلا ومضمونا وإخراجا، وتوفرت لها إمكانيات مالية كبيرة لم تتوفر لغيرها من المجلات العربية. حظي الوفد التونسي بترحاب خاص من قبل رئيس تحرير مجلة العربي الأول الدكتور العالم المصري أحمد زكي الذي استقبل الوفد التونسي بكل أعضائه بمقر مجلة العربي والتقطت صورة تذكارية لتخليد المناسبة نشرتها مجلة العربي في عددها التذكاري 100 ونشرتها شخصيا في مرآة الوسط....
وعن هذه الصورة والزيارة قال لي الأستاذ الشاعر محمد الشعبوني عضو الوفد أن تلك الزيارة كانت بداية لإقامة علاقات تعاون بين مجلتي العربي الكويتية والفكر التونسية. وعلى امتداد تاريخها الحافل منذ سنة 1958 لا يكاد يخلو عدد من أعداد مجلة العربي من مساهمات لأدباء وكتاب وشعراء تونسيين، بل إن مجلة العربي خصت مدنا تونسية باستطلاعات مصورة مثلما فعلت مع قصور تطاوين في أحد أعدادها وتونس العاصمة. ..
. في سنة 1962 أسس أبو القاسم محمد كرو رحمه الله و العائد لتوه من الشرق مشبعا بالثقافة الشرقية مجلة الثقافة التي لم يكتب لها الاستمرار وقبل وقتها أن المرحوم محمد مزالي وجماعة مجلة الفكر كان وراء توقف هذه المجلة خشية أن تكون منافسا قويا لمجلة الفكر. ولم يصدر من مجلة الثقافة سوى خمسة أعداد منها عدد مزدوج...
ومن برامج أعداد هذه المجلة اليوم يقف على العديد من المساهمات لأدباء من المشرق ورسائل كانت تصل إلى صاحب المجلة مثل رسالة فريدة من الكاتب ميخائيل نعيمة تحدث فيها عن زيارته لتونس في أواخر الستينات من القرن الماضي والتي جاءت بعد زيارة عميد الأدب العربي طه حسين بدعوة من الرئيس الحبيب بورقيبة عند تأسيس الجامعة التونسية. وظلت المجلات الثقافية تمثل جسرا قويا في ربط علاقات متينة بين أدباء الشرق والمغرب ولا يمكن إغفال ما كان قائما ولا يزال من علاقات بين كتاب تونس وشعرائها ومجلة الآداب الشهيرة، بل أن مجلة الآداب أصدرت عددا خاصا وتاريخيا بالأدب التونسي وهو عدد غلافه باللون الأزرق وشخصيا أحتفظ بنسخة من هذا العدد الذي صدر سنة 1973. كما وجد أدباء وكتاب تونس في المجلات العراقية وخاصة مجلة الأقلام ومجلة ألف باء مجالا واسعا للنشر، حتى أن مجلة الأقلام أصدرت هي الأخرى عددا خاصا بالأدب التونسي، وعلى الطرف الآخر اضطلعت مجلة الفكر بدور رائد لا ينكره أحد في تحقيق التواصل المنشور بين أدباء تونسي وأدباء المشرق على امتداد تاريخها. وعلى صفحات الفكر الغراء نجد عشرات الإبداعات من شعر وقصة وبحوث أدبية لكتاب من الشرق لم تنقطع صلاتهم بأدباء تونس وكتابها إلى اليوم. كما قامت علاقة متينة بين أدباء تونس وكتابها مع مجلات ثقافية سعودية على غرار مجلة الفيصل التي لا تكاد تخلو أعدادها من متابعات للشأن التونسي واستطلاعات مصورة حول المدن التونسية. وأذكر هنا مجموعة من الاستطلاعات المصورة حول مدن الكاف وسليانة قام بها الصحفي والباحث المرحوم خليفة الخياري، وبحوث مماثلة حول مدن أخرى مثل قمودة وقفصة وقابس قام بها صاحب هذا البحث محمود الحرشاني.
كما قامت علاقة متينة بين عدد من كتاب تونس وشعرائها ومجلة المنهل السعودية لصاحبها عبد القدوس الانصاري و التي نشرت لكتاب وشعراء تونسيين مثل الصادق عبد اللطيف ومحمود الحرشاني والشاعر نورالدين صمود وغيرهم. ولا يمكن أن نغفل في نهاية هذا البحث عن علاقة أدباء وكتاب تونس بمجلات عربية شهيرة أخرى وخاصة منها مجلات التراث الشعبي القطرية ومجلة الرافد الإماراتية والمجلة العربية السعودية. ومجلات عريقة اخرى مثل مجلة الاداب اللبنانية ومجلة الاقلام العراقية ومجلة الف باء وكذلك مجلات مصرية اخرى مثل مجلات اخر ساعة وروز اليوسف ومجلات المصور وحواء

comments

أحدث أقدم