خاص بقمر تونس الحرب و السلم في ضوء اطلاق صفقة القرن و الاعلان عن اتفاق سلام بين الإدارة الأمريكية و حركة طالبان

مساهمات


خاص بقمر تونس




الحرب و السلم في ضوء اطلاق صفقة القرن و الاعلان عن اتفاق سلام بين الإدارة الأمريكية و حركة طالبان 





بقلم / ياسين فرحاتي صحفي  



ان القلق الذي نستشعر خطورته في الحضارة اليوم، منشاه اساسا انتشار الحروب و النزاعات المسلحة و ارتفاع مؤشرات الفقر و المجاعات و تنامي ظاهرة الإرهاب و الجريمة المنظمة و الاحتباس الحراري الذي يهدد مستقبل الكون.
و مردها كلها في اعتقادي إلى عامل واحد أو عاملين لربما، أحدهما حب السيطرة لدى دول كبيرة بعينها و تكريسها لشريعة الغاب في ظل غياب عدالة اجتماعية اة اي نزعة لإعادة الاعتبار لها كقيمة كونية هي " أساس العمران ".
فالحرب كما يقال هي القاعدة و السلام هو الاستثناء. فما إن تضع الحرب أوزارها في مكان ما حتى يتجدد الأمل و يخفق القلب فرحا بإحياء مسار السلام . سلام لطالما نادى به الفلاسفة منذ عصور غابرة و كذلك العلماء بعضهم و دونما قصد منهم أو سوء نية ورطوا من قبل ساسة متهورين في صنع أسلحة فتكت بأرواح الملايين و سببت الام الكثيرين. وفي هذا السياق يرى المفكر فرانسوا شاتلي: " العنف و الكلام : من هذه القطبية ذات المعنى المزدوج ينشأ القرار الفلسفي، فالفيلسوف يراهن على أن الكلام مطلب و القول ضرورة كفيلان بتبديد واقع العنف أو بتقليصه و توجيه مجراه على الاقل " ( أفلاطون و الديالكتيكية، فتحي التريكي ). و يفهم من كلام شاتلي أن سياسة الحوار او الديالكتيكية بعبارة أفلاطون هي بمثابة الدرع الواقي من الجنوح إلى العنف. ذلك أنه في كثير من الحالات تعطل لغة الحوار إلى جانب الأحقاد الدفينة يؤدي إلى اندلاع الحرب فعلى سبيل المثال الحرب على العراق سنة 2003، كانت نتيجة دعاية إعلامية كاذبة أطلقها كولن باول بخصوص امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وهي أحد أسباب شن العدوان.
تلعب " المنظومات الديناميكية " دورا كبيرا في شرح و تفسير عديد الظواهر المركبة و المعقدة غير المنتظمة و غير الدورية في كل ما يتعلق بانتشار الفوضى و التوترات و التشوشات و والاضطرابات في عديد الميادين كالسياسة و الاقتصاد و المال و المجتمع و الصحة كاستفحال الأمراض و الأوبئة المستجدة على غرار كوفيد-19. و قد برز علماء كبار في هذا المجال العلمي الذي يجمع بين الرياضيات و الفيزياء من أمثال بوانكاري، و سمايل، و مندلبروت و بريغوجين، و توم.
ان المعادلات الرياضية التي تحكم نمط اشتغال هذه الظواهر هي معادلات غير خطية. و حري بنا الإشارة إلى مبدأ علمي آخر هام يفيد بأن النظام يولد من رحم الفوضى.
كانت هذه مقدمة صغيرة نظرية اردتها أن تكون فاتحة أؤكد من خلالها ضرورة أن تقرأ الأحداث و الظواهر من زاوية علمية بحتة غير قابلة للدحض، إذ لا مجال لما يجري في العالم للصدفة، و ان كان هذا الأخير مفهوما ينتمي إلى حقل الرياضيات في إطار ما يعرف بنظرية الإحتمالات التي تمثل أداة رياضية جيدة أسهمت في إنتاج ثورة علمية هائلة هي ميكانيكا الكم و يعتبر مبدأ " الارتياب" واحدا من أهم مبادئها و الاشد تعقيدا ، فسح المجال للحديث عن " نهاية عصر اليقينيات" بحسب تعبير عالم الاجتماع و المفكر الفرنسي ادغار موران.
أقول هذا الكلام و انا احاول فهم طبيعة الإنسان المركبة و التي تحكمها ثنائية الخير و الشر الكامنة فيه و التي أفرزت و أنتجت كل هذه المآسي و و الآلام و الجروح و العذابات و الكوارث و ضاعفت من منسوب الكراهية بين الطوائف و الملل و الأديان داخل البلد الواحد و بين دول أخرى متناحرة و متسارعة منذ ابد الابدين.
ان الحرب و السلم عبارتان متضادتان و لكنهما لا ينادون يفصلنا عن بعضهما و كأننا نتحدث عن توامين ولدا ملتصقين و كان لا بد من عملية جراحية لفصلهما عن بعضهما البعض . ثم إن الحدود الفاصلة بينهما إنما تقع بقرار عادل و شجاع بكلمة حق تصدر من فم رجل شجاع و ذكي( قد تكون امراة ) تزول جبهات القتال و تتحول إلى ساحات الوغى إلى حدائق غناء النزهة و الفرح الدائم.
علينا أن نحلم بتحقيق السلام لأن الحلم كما قال الأديب الكبير ميخائيل نعيمة يصنع الإنسان. ان العالم بحاجة إلى صدمة موقظل، صدمة في الاتجاه الايجابي تعيد الروح لهذه الحياة التي تختص بالقتل اليومي ، حياة أصبح فيها الإنسان العربي خصوصا سلعة رخيصة. و يجرني هذا الكلام للحديث المباشر عن كل ما يقال و يثار عن صفقة القرن الأميركية. فهي محاولة يائسة لمزيد قتل الوقت و تشتيت الآراء و فرصة جديدة من أجل إحداث شرخ جديد بين العرب أنفسهم حول القضية الفلسطينية إذا علمنا أن عددا لا يستهان به من الدول العربية قرر أحداث علاقات تعاون دبلوماسي و عسكري و اقتصادي مع إسرائيل مما اعتبر بمثابة الهدية على لسان الإسرائيليين أنفسهم. فهل يا ترى السعي إلى تحقيق السلام هو مطلب أساسي أمريكي اباحته ضرورات الداخل من حمى سياسية ديموقراطية ضد الرئيس الجمهوري دونالد ترامب بالتزامن مع جايحة كورونا ام ماذا؟ و هل أصبح الرؤساء اللأمريكيين من الماهرين في اصطياد جوائز نوبل للسلام، بحيث يرمي ترامب بصنارته فعسى أقدار الله تأتي بذلك؟ !.
لقد دعم ترامب مسارات للسلام و حاول وأد أخرى : فقد حاول احتواء كوريا الشمالية و ملفها النووي المثير جدا لللجدل من ذلك انزعاج الإدارة الأمريكية و مخاوف اليابان و خاصة كوريا الجنوبية و التي رغم كل شيء لعبت دورا كبيرا في محاولة راب الصدع بين الجارة الشمالية و حليفتها واشنطن فكان أن تم على أراضيها لقاء تاريخي بين رئيسي البلدين تناولته وسائل الإعلام العالمية بكثير من الاستفاضة. و لن المفاوضات إلى حد الساعة متوقفة و لم تفض إلى مطالب مطمئنة للبيت الأبيض و لحليفيه الانفين الذكر. بالمقابل، عوض أن يتم البناء على الخطوة التي سبقت مجيء ترامب إلى سدة الحكم و المتمثلة في الاتفاق سلميا بين إدارة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما و القوى العظمى زائد ألمانيا مع إيران حول ملفها النووي، نقض ترامب ذلك الإتفاق و رمى به عرض الحائط لا بل ضاعف العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران حتي في ظل انتشار وباء كورونا المستجد و ذلك بسبب رفض حكومة تل أبيب لأي نوع من المصالحة أو الاعتراف بسلمية المشروع النووي الإيراني.
و ها هو منذ أشهر يتحدث عن خطة جديدة للدفع من وجهة نظره بعملية السلام المجمدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين قدما دون أن ننسى ملفات أخرى شائكة دون حل تنتظر ترامب وهو في آخر عهدته الرئاسية مثل الحروب المتواصلة في كل من سوريا، و اليمن، و ليبيا ليس أقلها الاعلان عن وقف إطلاق لدواع إنسانية و صحية ملحة.
يعتبر الساسة الأمريكيون منذ سنوات خلت القضية الفلسطينية بمثابة جرح متقيح و متعفن وهو ما يثير سخطهم و اشمءزازهم . و قد وجب التوقف عند حدث هام هو إتفاق أوسلو الذي بموجبه صرنا نتحدث عن سلطة حكم محلي في الضفة الغربية و قطاع غزة. ذلك الإتفاق الذي وقع بين الرئيس الراحل ياسر عرفات و رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين ( الذي اغتاله متطرف يهودي ) قد ولد ميتا حسب عديد الملاحظين و من الفلسطينيين أنفسهم. لقد عاش ذلك السلام المزعوم سنوات ضياع حتى سمي بالسلام الجريح و التايه .
لقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل أرييل شارون يردد قائلا بالإنجليزية :" i believe that we can live together with all the palestinians " و لكن ذلك كان مجرد اخاديع و كلام منمق : فقد حوصر عرفات في مقر المقاطعة برام الله أياما و ليالي تحت جنح الظلام حتى مات مسموما رحمه الله. و قد شبه الاستاذ محمد حسنين هيكل رحيل زعيم حركة فتح ب " موت ذكر النحل".
لقد ذاق الفلسطينيون الويلات و الى حد الساعة وهم يتجمعون علوم سلام وهمي ، و هش ، و مغشوش ، و منتهي الصلوحية. و في ذات السياق يؤكد الكاتب الصحفي و السياسي التونسي الصافي سعيد ضمن كتابه " سنوات المتاهة" : " ما الذي يفعله الإسرائيليون و الفلسطينيون و هم يتصافحون في جميع العواصم إلا في العاصمة الموحدة و المنقسمة : القدس! ، لا نسأل أكثر من ذلك. ان السلام الحقيقي هو الزمن الذي لم يأت بعد. أما السلام الذي يحتفلون به الآن في كل مكان تقريبا، فهو جريح و ذليل و منهك وهو نفسه، نكرر : خادع و مخادع .. إنه ليس أكثر من رقصة مع الذياب . ليس أكثر من حفلة تنكرية لخداع الآخرين و الأرجح انه في أغلب الازمنة و المراحل ليس إلا خدعة تبدو جميلة في البداية لكنها تخبيء للبشرية خدعة قبيحة ( الحرب ) .. اذ كيف تحظى دولة إسرائيل بسلام كامل و لا يحصل الفلسطينيون على أرضهم و لا على سلامتهم الكامل؟ .
ان اللبيب من الإشارة يفهم كما يقال ، فصفقة القرن لا تعدو كونها نوعا من المقايضة أو المساومة على حقوق شعب مغتصبة و مفتكة بالقوة و بسلطة الارغام و الإرهاب اليومي على مرأى و مسمع من دول العالم الحر و لست أدري كيف يسمونه بالحر؟!.
من المعلوم لدى الجميع ان السيد ترامب هو رجل أعمال بامتياز و قد ظل محافظا على هذا النهج : فهو يوظف المال و الأعمال و الاقتصاد خدمة للسياسة الأمريكية التوسعية في العالم، فهو شخص غريب الأطوار والى ابعد الحدود، و براغماتي، و ذكي في جانب استثمار القوة الأمريكية حيث نجح في جلب منافع لاقتصاد بلاده عبر إبرام صفقات بيع أسلحة قدرت بمليارات الدولارات مع المملكة العربية السعودية اساسا و باقي دول الخليج و لا يزال يستعمل فزاعة إيران لمزيد ابتزاز هذه الدول و اجبارها على دفع المال لقاء الحماية من التمدد الفارسي و اذرعه في المنطقة. كانت هذه مجردة فكرة عن صاحب مبادرة السلام الأحادية التصور و لكن ما هو موقف الجانب الفلسطيني من هذا الادعاء التريكي الجديد- القديم؟ إن الشيء الوحيد الذي يقلل من فرص نجاح شبح الخطوة الامريكية و استتباعاتها هو الرفض الرسمي الفلسطيني و كذلك الشعبي فهي في نظرهم " صفقة العار". و منذ أن أعلن الأمريكيون عن إطلاقها و القادة الفلسطينيون يجوبون العالم و يلتقون بالاشقاء و الأصدقاء في تونس و قطر و تركيا و ايران و روسيا من أجل الحصول على دعم لقضيتهم العادلة و حتى لا تتفرد امريكا لوحدها بملف السلام في الشرق الأوسط ، لأن الرئيس ترامب لم يبد منذ توليه السلطة في البيت الأبيض عن بادرة حسن نية تجاه الشعب الفلسطيني لا بل أعلن عن نقل مقر سفارة بلاده إلى القدس العربية المحتلة في إجراء لم يقدم عليه أي رئيس أمريكي من قبل و قد وجدت تنديدا فلسطينيا واسع المدى، و تواصلت معه قبل كارثة كورونا مسيرات حق العودة رغم ما حصدت من شهداء و على أمل أن يتوحد الفصيلان الفلسطينيان فتح و حماس بعد أن تزول الخلافات بينهما لأنه من متطلغات الظرف الدقيق التوصل إلى خطة عمل مشترك من أجل مواجهة الإحتلال و مشاريعه الاستيطانية و من تهويد للقدس و حفريات و بناء أنفاق تهدد بازالة البناء .
ان الموضوع يحز في نفس كل عربي مسلم غيور على المقدسات الإسلامية و يدعو الى صحوة الضمير لدى كل شخص مؤمن بكونية منظومة حقوق الإنسان . اذ لا يمكن الوثوق البتة في الإدارة الأمريكية الحالية ، كما ثبت زيف الإدارات السابقة التي دعمت و تدعم " مخلب القط" و " عينها الثالثة" بلا هوادة و دون أي مبالاة بقرارات مجلس الأمن عبر حق النقض الفيتو أو حتى جمعية الأمم المتحدة. لقد كتب عبد الباري عطوان الكاتب الفلسطيني الجهبذ لما كان رئيس تحرير لجريدة القدس العربي الغراء ، انه زمن حكم الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن زارت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس فلسطين المحتلة 14 مرة و لم تزل و لو حاجزا أمنيا واحدا مما يدلل أن الهدف الرئيسي من الحديث عن السلام أو العودة إلى المفاوضات انما هو الضحك على الوقوف و تمييز القضية.
ان دروس التاريخ يجب أن تحفظ و ترسخ في الذاكرة و قد قال شاعر سوريا الممزقة نزار قباني :
لو قرأنا التاريخ يوما ما ضاعت القدس و من قبلها الحمراء.
لقد وجه ياسر عرفات ذات يوم كلاما لاذعا لاريال شارون و لا يزال عالقا بذاكرتي إلى اليوم و قد يكون سببا في انتقام الأخير منه لاحساسه ربما بالإهانة نصه حرفيا كالتالي " هو ما يعرفش لا تاريخ و لا جغرافيا ". ذلك أنه من واجبنا نحن العرب أن نعيد النبش في الماضي و في تراثنا و هذا ليس بكاء على الأطلال كما يقال بل استنهاضا للهمم و إحياء للذاكرة حتى نفهم من نحن و ماذا نريد و هل نستطيع فعل أي شيئ يغير من واقعنا المرير و المؤسف الا بعض الاستثناءات القليلة جدا!. لانه " بالتاريخ يمكن دراسة المرجعيات لأنه المقاربة الأقدر على تحديد أسباب وقوع الظاهرة و لأن علم التاريخ أو دراسة التاريخ كما هو حاله دراسة في الظاهرة الإنسانية لا ينتمي إلى التجربة العلمية و لا يخضع لتصوريقع مسبقا، إلا أنه قد ظل أفضل العلوم في معنى الدراسة للقاهرة الإنسانية و التي تتحدد من خلاله مقدمات لتأسيس عقل يفكر في ظاهرته لموضوعية بالتاريخ ليكون في التاريخ"( الحقيقة خارج هذا الكتاب، الأستاذ عبد العزيز العبيدي ).
ذلك أن أمجاد العرب و بطولاتهم السابقة ، لا يمكن أن تفقد الفلسطينين اي امل في تحقيق النصر على عدوهم المدجج باعتى أنواع الاسلحة المتطورة و الاشد فتكا بالإنسان الفلسطيني لأن إرادة الشعوب أقوى و أكثر صلابة من همجية جلاديه مهما طال الزمن أو قصر.
و لا يمكن لاغراءات أو اغواءات السلام الاقتصادي وهو لب صفقة القرن الذي هو حديث و وعود مكررة طرحت منذ التسعينيات، لم تجلب للشعب الفلسطيني منافع و لم تدرا عنهم مفاسد، لذلك تجد المفاوض الفلسطيني يرفض أن يقع في فخاخ ماراطون جديد من مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي لا فائدة ترجى منها. و حتى الجامعة العربية هذا الهيكل الذي انهكت جسده الانقسامات العربية و تامر البعض ضد البعض رغم موجة الربيع العربي لم تلبث أن أعادت المنظمة إلى مربع الأزمة الاول بسبب موقف المملكة العربية السعودية من القضية الفلسطينية و من حماس التي تصنف على أساس تنظيم إرهابي تابع للإخوان المسلمين المحظور . الموقف إلى حد ما مع بعض الاختلافات الجزئية و الطفيفية يقفه النظام المصري لكن على الأقل حبل الود مع الفلسطينيين لم ينقطع و لا زال ثمة بعض الأمل في أن تغير الجامعة من ثوبها و ان توحد العرب على هدف واحد هو فلسطين اذ لم يعد مسموحا بمناورات و تكتيكات تحيد فيها البوصلة العربية عن الغاية الاولى مثلما هو جاري حاليا ولأبن مصر المحروسة، الأستاذ الكبير الراحل هيكل خير دليل على ذلك حيث قال :" خوفي هو على تضحيات الرجال و النساء أن تذهب كلها هباء في مناورات ضاعت فيها الاستراتيجية وسط العاب و مناورات التكتيك " .ان اللوم يعود كذلك إلينا نحن العرب بعد أن سلمنا كل أمرنا و مصيرنا إلى الغرب و الى امريكا بالذات و ما علينا الا الأمر و الطاعة و هذا واضح في عديد البلدان حتى في بلدان الربيع العربي لم نملك بعد قرارنا السياسي باستقلالية تامة و لكن يبقى في كل لحظة أمل في التغيير الإيجابي وان على مستوى قطري على الاقل أكبر فخر هو التداول السلمي على السلطة في جو حافل بالديمقراطية و حرية التعبير و هذا أمر يمكن يساعد ان عاجلا أو آجلا القضية الفلسطينية و يا حبذا لو يستنسخ النموذج التونسي في أكثر من بلد عربي!.
صفوة القول إن الحل في فلسطين يحتمل أكثر من رؤية و لكن المتاح بأيديهم هو مواصلة الكفاح مع الصبر لقد كان عرفات يخطب تحت قبة المنتظم الأممي لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي . كما دعا مؤسس حركة حماس قبل أن يغتال إلى هدنة مع إسرائيل لفترة تدوم عشر سنوات . مما يعني أن الفلسطينيين هم دعاة سلام قبل عدوهم .
الطريق الآخر أو الوجه المختلف للسلام الذي انتهجته ادارة ترامب منذ سنوات قليلة هو مسارها التفاوضي مع حركة طالبان ، التي كانت إلى وقت قريب جدا عدوا لدودا لأمريكا احتلت بسببه بلدا بأكمله هو أفغانستان بسبب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001. لقد استضافت العاصمة القطرية الدوحة لقاءات متكررة بين الأمريكان و وفود من طالبان تقيم بها . و في واقع الأمر، الفكرة تبدو جيدة للغاية كان تجد دولة قوية مثل الولايات المتحدة تعتبر نفسها شرطي العالم تستمع إلى رأي دولة عربية" طموحة" مثل قطر في ملف مقلق جدا للأمريكيين يتعلق بأمنهم القومي. لكن ما لم استوعبها تماما هو هل من تم إبرام اتفاق سلام معهم يمثلون كل طالبان ؟ أين المقاتلون و المجاهدون في طورا بورا ؟ و اين الملا عمر و حليفه ايمن الظواهري؟ هل بمجرد جرة قلم طويت صفحة الماضي الأليم؟ و السؤال الأهم هل يعني هذا الاتفاق أن القوات الأمريكية على وشك أو على الأقل على استعداد أن تغادر البلاد لان اهلها ادرى بشعابها ، بعد أن عاثت فيها تخريبا و تدميرا و تفقيرا للشعب الأفغاني و أرست فيها نوعا من الديمقراطية الهشة تحت نير الإحتلال فالحال أشبه بالعراق و كلاهما في الهم شرق كما قال الشاعر. هذه مجموعة أسئلة متروكة لخادم الأيام و الأشهر لأن السلام الحقيقي و العادل يحتاج إلى قوة ايمان نابعة من الروح الأفغانية الخالصة و من صفاء النفوس و الى نسيان جراح الماضي بين الأفغان أنفسهم بعيدا عن جيوش الغزاة . و لكن لا يزال المسار السياسي الأفغاني متعثرا في بلد فقير و مهمش بعد الجدل الذي أثير عقب الإعلان عن فوز اشرف غني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة و عدم إعتراف منافسه عبد الله عبد الله به. الحدث الذي لفت انتباهي انه ثمة تغير كبير في السلوك السياسي للجماعة الأفغانية : فمن طالبان تحرم الإذاعات و التلفزيونات إلى طالبان تظهر على شاشة قناة الجزيرة و و من طالبان تفرض النقاب أو الحجاب إلى البعض من قادتها يصافحون النساء على هامش مفاوضات السلام مع الأمريكان في الدوحة في الأمر أكثر من رسالة و أكثر من مغزى!.
في قراءة عامة للإقليم العربي الملتهب بما في ذلك الشرق الأوسط، يعترف العديد من الملاحظين و المراقبين السياسيين بوجود حروب بالوكالة : إسرائيل بوصفها العين الثالثة للولايات المتحدة تدافع عن مصالحها بكل شراسة لأن مصيرهما يبدو مصيرا مشتركا . و حزب الله يدافع عن لبنان و عن مصالح إيران في لبنان و خاض حربين على الاقل من أجل ذلك. و كذا يفعل الإيرانيون في سوريا دفاعا عن حليفهم في إطار ربما اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة بين البلدين و من أجله فقدت الأمة الإيرانية قاسم سليماني قائد الحرس الثوري على يد القوات الأمريكية . و حتى لا ينفرط عقد الشراكة التاريخية و الاستراتيجية بين نظام بشار الأسد و الروس بقيادة فلاديمير بوتين ، نزلوا بكل ثقلهم في سوريا لأنها آخر موطىء قدم لهم في الشرق الأوسط.
و مصر مع مجيء السيسي و كذلك الإمارات نكاية في الإسلام السياسي متحلفتان ومن وراءها بعض القوى الكبرى تدعم بالمال و السلاح المشير خليفة حفتر و حسبما يقول الإعلام الذي يتعاطف مع حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج المعترف بها دوليا و المسنودة من طرف تركيا و قطر، فإنه لا يربح المعركة التي تشن منذ أشهر ضد طرابلس لا بل انه بصدد التفريط في أكثر من مدينة كانت تحت سيطرته.
بالمختصر المفيد، العالم بشماله و جنوبه قد كشفت أزمة كورونا ما به من عيوب كثيرة و ما به من حالة وهن ، هذا إضافة إلى أزمة الطاقة بين اثنين من أكبر المنتجين و المصدرين للنفط في العالم و هما السعودية و روسيا صلب اوبك+، مما نتج تهاوي كبير في الأسعار بسبب قرار الرياض الزيادة في الإنتاج الأمر الذي اضطر نواب أمريكيين إلى توجيه رسائل تحذير إلى قيادة المملكة . و في ظل المخاطر الجمة المحدقة بالبشرية ، يبدو الأمر جللا و الدعوة أكثر من ملحة من أجل إسعاد نفوس الملايين من الناس الذين يبيتون في العراء في مخيمات اللجوء بلا ماء و لا غذاء ولا دواء تحت وابل القنابل و قصف الطائرات.
أذكر جيدا أنني من أجل نفس الهدف النبيل وهو إحلال السلام في فلسطين و في بقية أرجاء المعمورة، كنت قد وجهت رسالة الي الرئيس دونالد ترامب عبر الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض سنة 2016 في اليوم الأول أو الثاني لتسلمه السلطة و ذكرته فيها بخصال غاندي و مانديلا و امور اخرى عديدة.
ان واشنطن هي مصنع للسياسات و الخطط و الافكار التي تخص العالم . و أرى أنه من حق كل إنسان و واجب على كل مواطن على نطاق عالمي أن يبادر إذا كان له رأي مسموع أن يطرح أفكاره بكل جرأة و بلا تردد . و في نفس التمشي لي مقترح بسيط: ادعو إلى تأسيس " نادي للفائزين بجائزة نوبل للسلام " فامريكا لها ثلاثة : هم جيمي كارتر ، و ال غور ، و باراك أوباما . و نحن العرب لنا ثلاثة هم: محمد البرادعي ، و توكل كرمان ، و الرباعي التونسي المعروف. إلى جانب شخصيات أخرى دولية مرموقة و لها صداها في أرجاء العالم. على هؤلاء جميعا ان يدفعوا بالاتجاه للعمل سوية إلى جانب منظمات حقوق الإنسان الدولية و كبار المفكرين و العلماء و الادباء و الرياضيين و الفنانين من اجل" إعلان ميثاق عالمي يفعل حق الشعوب في تقرير مصيرها و احلال السلام الدائم " كالذي نادى به إيمانويل كانط منذ قرون.
لقد تساءل كل من أينشتاين و فرويد عن جدوى الحرب و ألفا كتابا في ذات الغرض حمل عنوانا" لماذا الحرب؟" وهو ما يؤكد ما ذكرناه في مقدمة المقال، أن العالم و الفيلسوف من أشد المدافعين عن حقوق الإنسان و لأن كلاهما خلال فترات معينة كانت تطاردهم لعنات الحروب من مكان إلى آخر.
إنه بالسلام يستتب الأمن و يكثر الرخاء و تتقارب الشعوب أكثر فأكثر من بعضها البعض و تعمر الأرض بنور ربها.

انتهى المقال


comments

أحدث أقدم