الدكتور احمد القديدي يكتب لكم //سوء تفاهم حضاري بين الإسلام والغرب


الدكتور احمد القديدي يكتب لكم //سوء تفاهم حضاري بين الإسلام والغرب

باحث واعلامي وسفير سابق




أصبح موضوع سوء التفاهم الحضاري بين الإسلام والغرب موضوع الساعة لدى الجانبين في هذا الربع الأول من القرن الحادي و العشرين وهو ما يمثل ظاهرة صحية اذ انه من الأرجح أن يسعى المسلمون والغربيون إلى تحليل سوء التفاهم وفك آلياته وتفهم أسبابه, ومنه الانتقال نظريا فقط و في الأدبيات فحسب إلى القرن الحادي والعشرين بمشروع وفاق حضاري, يلغي الأشباح القديمة والأحكام الجاهزة والجهل المتبادل من أجل سلام عالمي عادل . ولعلنا كمسلمين, إذا ما قرأنا تعاليم ديننا قراءة معمقة, مدعوون قبل غيرنا لسد الخنادق التي تفصلنا عن الغرب, بدافع من إيماننا بالاخوة في الديانات السماوية الكتابية والاخوة في الإنسانية وبدافع من اعتقادنا في أننا شركاء لا محالة, تلك الشراكة الحتمية التي يفرضها العيش على أرض واحدة مواردها محدودة, وثقافتها الإنسانية تسعى للتوحد وبالتالي مصيرها يظل بين أيدينا جميعا. وقد تكثفت الندوات والمؤتمرات لعل آخرها مؤتمر أكسفورد حول عالمية الثقافة, والخصوصيات ومؤتمر السربون حول رسالة الثقافة في تقريب الشعوب ومنتديات الدوحة لتحالف الحضارات, مما يؤكد انه على جانبي ذلك الخندق الحضاري الفاصل بين الإسلام والغرب نجد رجالا عاملين بإخلاص للتخفيف من حدة التوتر واعلاء كلمة المصالحة. واعتقد اننا منذ أواخر القرن 20 قطعنا مسافة من الطريق نحو تلك المصالحة المنشودة, لانها مرحلة تتميز بالعديد من نقاط الالتقاء والتقاطع على المستوى الحضاري منها: إن هذه المرحلة نقطة تقاطع بين الإسلام والغرب سياسيا حتى يعترف كل منهما بالآخر مع الاختلاف الضروري في ادراك غايات الحضارة. إن هذه المرحلة نقطة تقاطع زمني بين القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، فبينما يتباطأ الأول في الرحيل يتأهب الثاني للحلول بقوة وبسرعة. إن هذه المرحلة نقطة تقاطع بين جيلين في الإسلام وفي الغرب، جيل تصادم في معارك التحرر من الاستعمار وفي معارك فرض الهوية, وجيل جديد دخل عصر العولمة وتداول المعلومات. إن هذه المرحلة نقطة تقاطع بين ارادة إسلامية مشروعة في استكمال حل معضلة القدس الشريف والقضية الفلسطينية ونصرة شعبه وهي الإرادة العربية و الإسلامية التي أحبطت باعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل و بشرعنة المستوطنات و ضم الجولان و قصف المدنيين في غزة عوض حل الدولتين و إيقاف المظالم و ايجاد حل عادل للحصارات العديدة المضروبة على قطر و ايران و تركيا و بث التدخلات الأجنبية في اليمن و سوريا و العراق وليبيا والسودان وبين ارادة غربية تتردد عن فهم هذه الطموحات الشرعية و تجتمع على باطل قانون جديد هو قانون المحتل الإسرائيلي و مسانده الأمريكي الراهن. هذه بايجاز نقاط التقاطع و التناقض التي يستحيل أن تيسر حل المشاكل القائمة بين الإسلام والغرب, بسبب التطرفات التي نلاحظها لدى الجانب الغربي المنحاز للاحتلال المدان أمميا, والتي هي تطرفات ايديولوجية معيقة للحوار المأمول بين الإسلام والغرب. ويجب الاعتراف بأن ظاهرة سوء التفاهم الحضاري لم تنحسر مع شيوع وسائل الاتصال الاعلامية والجماهيرية كما كان يعدنا عدد من العلماء والأساتذة في المشرق والمغرب (أتذكر في هذا الباب موقف أستاذنا جاك بارك العالم المستعرب والأستاذ بالجامعة الفرنسية و كتاب هنتنجتون حول صدام الحضارات) بل إن ظاهرة سوء التفاهم تفاقمت مع القنوات الفضائية ورواج شبكة الانترنت لسبب بسيط وهو ان غلاة العداء للاسلام في الغرب حرصوا على استعمال هذه القنوات لافشال مشروع المصالحة الكبرى. ويجب أن نعترف بأن الجانبين ــ الإسلامي والغربي ــ يتحملان كل ــ ولأسباب مختلفة ــ وزر تلك الظاهرة. حيث لم يسع المسلمون بعمل مؤسساتي قوي للتعريف بحضارتهم وعلاماتها المشرقة وآياتها المضيئة وتركوا الحبل على غارب المتعصبين الغربيين لبث سمومهم يساعدهم انحياز بعض العرب لطروحاتهم . ولا بد من الاقرار كذلك بأن الجانب المسلم يحاول التعرف إلى الغرب بل ويستفيد من نهضته التكنولوجية ويسقط تجارب المؤسساتية السياسية على مشاريع النهضة الديمقراطية الاسلامية, بعكس الجانب الغربي الذي لا يزال ــ في أغلب المجالات ــ يرزح تحت مخزون خوف تاريخي من الإسلام, نشأ بالطبع من الحروب الصليبية التي تواصلت على مدى قرنين, ثم مع استقرار الاستعمار الغربي في بلاد الإسلام وحروب التحرير المريرة والطويلة التي لم تكف إلا في الستينات مع حرب تحرير الجزائر, وأعقبتها محاولات ثقافية وسياسية وتعليمية في المجتمعات العربية للتخلص من رواسب ذلك الاستعمار وتبعاته وتداعياته ــ مثل قضية التعريب المعروفة في المغرب الاسلامي وبنسب متفاوتة. ومع الاسف نلاحظ ان تلك الارادة العربية الاسلامية للتعرف الى الغرب والاستلهام من نهضته لا تقابلها ارادة غربية مماثلة لتفهم ازمات العالم العربي الإسلامي و المظالم المسلطة عليه والمساعدة على حلها بنزاهة وموضوعية, بل ان الاعلام الغربي يصر على تقديم وتكريس صورة العربي المسلم النمطية المغلوطة مما زاد في تصعيد وتنامي العنصرية في مجتمعات اوروبية متسامحة تقليديا مثل المجتمع الفرنسي حيث أبرز آخر استطلاع للرأي الذي نشرته صحيفة (لومند) ان 15 بالمئة من
الفرنسيين يعلنون انهم عنصريون ضد المسلمين و40 بالمائة يعلنون ان لهم (ميولا عنصرية) و أنهم يتفهمون أسباب العنصرية!





 

comments

أحدث أقدم