كتابات حرة
الكرموس نفّخ...
لمّا طلب مني طبيبي إجراء تصوير شعاعي للثدي ارتبكتُ وتوجستُ لكن أخفيت الأمر على أسرتي وقلت سأنجزه بعد انتهاء العطلة واحتفالات العيد. لكن زوجي تفطّن للأمر وأصرّ على إنجازه في أقرب الأوقات ومن الغد أخذني الى مركز التصوير.
أدخلتني الممرضة الى غرفة صغيرة وطلبت مني أن أخلع ملابسي الفوقية و انتظر...
كانت غرفة ضيقة مكتظة بآلات كبيرة موحشة تنبعث من بعضها أضواء وأصوات ومكتوب عليها كلمات تحذير من الاشعاعات...
قلت في نفسي مهما كانت نتيجة الفحص فلن أسمح بقطع ثديي حتى إذا كانت مريضة...
إذا كان الخبيث قد اختار أن يعشش فيّ فلن أخضع لعمليّة البتر سأعيش به الى آخر رمق في حياتي و إن عجّل بمماتي فالموت أهون عليّ من أن يقطع مني ثديي.
كانت الغرفة ضيّقة و معتّمة وآلات التصوير بعضها قائم و بعضها أفقي عيونها الضوئية تنظر لي بوقاحة وتصدر هديرا رتيبا...
حاولت الهرب و خجلت... فوجدتني أفكّر في طفولتي عندما انزعجت واحترتُ كيف أخفي هذا الانتفاخ الذي طرأ على صدري فجأة... ظننته مرضا وعمدت الى لبس قميص ضيق حتى اخفيه ثم كبسته بشريط عريض ربطته بإتقان حتى أتخفّف من الحرج الذي انتابني.
وذات يوم كنت فوق شجرة اللوز المحاذية لبيت عمّي ألاحق حبّات تحصّنت بأعالي أغصان الشجرة الكبيرة في تحدّ و مرح، لمّا أطلّت ابنة عمّي التي تكبرني وكأنّما أرادت أن تصرفني عن القيام بهذه الأعمال الصبيانية فقالت مشيرة الى صدري:
ـــ كُفّي عن الشقاوة... فكرموسك نفّخ...
رنّت كلماتها في صدري بعنف وكأنما غرزت فيه سكينا. انطفأ حبوري. لقد اكتشف سري ولم أعد قادرة على الإخفاء. وحزنت... لست أعرف لماذا... ربّما على طفولة تهرب منّي وتحل بنهدي...
انطويت على نفسي حتّى فاجأتني أختي الكبرى بعد أيام بحصّارة صغيرة جميلة من الدنتال الورديّ و اقترحت عليّ أن أقيسها.
ارتبكتُ واحمرّ وجهي ولكنّها بكثير من الحنان أفهمتني أن الثدي جمال المرأة وليس لنا أن نخجل من جسمنا وخلقتنا الطبيعية...
ومنذ ذلك اليوم أطلقت سراحهما وتابعت بحبّ تكورهما و أصبحت كلّما رأيت امرأة جميلة الوجه و ضامرة الثدي آسف على جمالها المشوّه و أنوثتها المنقوصة...
ثم كبرتُ وأدركت الأهميّة التي يوليها الناس عادة للناهد والكاعب وتغنيهم بالنخلتين في العلالي طابت في ليالي الهوى... وغرامهم بالمطارات ترتكز عليها القلادات الذهبية الجميلة...
حضرت الممرضة و أخضعتني الى آلة التصوير والتقطت عدة صور بعد ان تامرني بقطع النفس حتى إذا قضت عملها طلبت مني أن ألبس ثيابي وانتظر تقرير الطبيب.
كانت لحظات الانتظار عسيرة... ثمّ أطلّ الطبيب وطلب مني العودة الى غرفة الضيّقة لأعيد بعض الصور لأنّها غير واضحة.
زاد خوفي وتأكدّتُ أنّني أحمل بوادر المرض اللعين لكنّني استسلمتُ وتبعت الممرضة صاغرة الى الغرفة المشؤومة.
أعادت التصوير وخرجت تحمل صناديقها و تبعتها في ذهول بعد ان لبست ثيابي وانا اتحسّس الثدي متحسرة على إمكانية ضياعة و تلفه بالمرض
أنقذني الطبيب عندما سلّمني ملفّي مهنّئا:
ـــ سيدتي أنت سليمة الحمد لله لكن عليك إجراء الفحص كلّ سنتين وقاية.
تونس في 19/05/2019
الكرموس نفّخ...
بقلم الكاتبة سعاد الفقيه بوصرصار
لمّا طلب مني طبيبي إجراء تصوير شعاعي للثدي ارتبكتُ وتوجستُ لكن أخفيت الأمر على أسرتي وقلت سأنجزه بعد انتهاء العطلة واحتفالات العيد. لكن زوجي تفطّن للأمر وأصرّ على إنجازه في أقرب الأوقات ومن الغد أخذني الى مركز التصوير.
أدخلتني الممرضة الى غرفة صغيرة وطلبت مني أن أخلع ملابسي الفوقية و انتظر...
كانت غرفة ضيقة مكتظة بآلات كبيرة موحشة تنبعث من بعضها أضواء وأصوات ومكتوب عليها كلمات تحذير من الاشعاعات...
قلت في نفسي مهما كانت نتيجة الفحص فلن أسمح بقطع ثديي حتى إذا كانت مريضة...
إذا كان الخبيث قد اختار أن يعشش فيّ فلن أخضع لعمليّة البتر سأعيش به الى آخر رمق في حياتي و إن عجّل بمماتي فالموت أهون عليّ من أن يقطع مني ثديي.
كانت الغرفة ضيّقة و معتّمة وآلات التصوير بعضها قائم و بعضها أفقي عيونها الضوئية تنظر لي بوقاحة وتصدر هديرا رتيبا...
حاولت الهرب و خجلت... فوجدتني أفكّر في طفولتي عندما انزعجت واحترتُ كيف أخفي هذا الانتفاخ الذي طرأ على صدري فجأة... ظننته مرضا وعمدت الى لبس قميص ضيق حتى اخفيه ثم كبسته بشريط عريض ربطته بإتقان حتى أتخفّف من الحرج الذي انتابني.
وذات يوم كنت فوق شجرة اللوز المحاذية لبيت عمّي ألاحق حبّات تحصّنت بأعالي أغصان الشجرة الكبيرة في تحدّ و مرح، لمّا أطلّت ابنة عمّي التي تكبرني وكأنّما أرادت أن تصرفني عن القيام بهذه الأعمال الصبيانية فقالت مشيرة الى صدري:
ـــ كُفّي عن الشقاوة... فكرموسك نفّخ...
رنّت كلماتها في صدري بعنف وكأنما غرزت فيه سكينا. انطفأ حبوري. لقد اكتشف سري ولم أعد قادرة على الإخفاء. وحزنت... لست أعرف لماذا... ربّما على طفولة تهرب منّي وتحل بنهدي...
انطويت على نفسي حتّى فاجأتني أختي الكبرى بعد أيام بحصّارة صغيرة جميلة من الدنتال الورديّ و اقترحت عليّ أن أقيسها.
ارتبكتُ واحمرّ وجهي ولكنّها بكثير من الحنان أفهمتني أن الثدي جمال المرأة وليس لنا أن نخجل من جسمنا وخلقتنا الطبيعية...
ومنذ ذلك اليوم أطلقت سراحهما وتابعت بحبّ تكورهما و أصبحت كلّما رأيت امرأة جميلة الوجه و ضامرة الثدي آسف على جمالها المشوّه و أنوثتها المنقوصة...
ثم كبرتُ وأدركت الأهميّة التي يوليها الناس عادة للناهد والكاعب وتغنيهم بالنخلتين في العلالي طابت في ليالي الهوى... وغرامهم بالمطارات ترتكز عليها القلادات الذهبية الجميلة...
حضرت الممرضة و أخضعتني الى آلة التصوير والتقطت عدة صور بعد ان تامرني بقطع النفس حتى إذا قضت عملها طلبت مني أن ألبس ثيابي وانتظر تقرير الطبيب.
كانت لحظات الانتظار عسيرة... ثمّ أطلّ الطبيب وطلب مني العودة الى غرفة الضيّقة لأعيد بعض الصور لأنّها غير واضحة.
زاد خوفي وتأكدّتُ أنّني أحمل بوادر المرض اللعين لكنّني استسلمتُ وتبعت الممرضة صاغرة الى الغرفة المشؤومة.
أعادت التصوير وخرجت تحمل صناديقها و تبعتها في ذهول بعد ان لبست ثيابي وانا اتحسّس الثدي متحسرة على إمكانية ضياعة و تلفه بالمرض
أنقذني الطبيب عندما سلّمني ملفّي مهنّئا:
ـــ سيدتي أنت سليمة الحمد لله لكن عليك إجراء الفحص كلّ سنتين وقاية.
تونس في 19/05/2019
إرسال تعليق