تحقيقات
في "عين مدور" بالمنطقة العسكرية المغلقة بجبل مغيلة: قصص تحكي شظف الحياة وقسوة "التهميش".. وتروي عطش الإنسان ل"مسك" الأرض وعبير الحياة
سيدي بوزيد (وات، تحرير كوثر الشائبي)
- مسلك مهترئ وحفر كثيرة ومنعرجات خطيرة، تلك هي أحوال، بل "أهوال" الطريق المؤدية إلى منطقة "عين مدور"، الواقعة وسط جبل مغيلة التابع لمعتمدية جلمة من ولاية سيدي بوزيد.
منطقة "عين مدور"، التي تبعد حوالي 25 كلم عن مدينة جلمة، هي أيضا منطقة مصنفة "منطقة عسكرية مغلقة"، لما شهده الجبل المذكور سابقا من عمليات إرهابية وتحركات لعناصر مشبوهة. لأجل ذلك، كانت رحلة فريق "وات" إلى "عين مدور" بمرافقة عناصر من الجيش الوطني لتأمين دخول الفريق الصحفي وخروجه من هذه المنطقة.
تتمايل السيارة وتهتز يمينا ويسارا بين سلسلة من الحفر المتتالية وسط بقايا طريق مهترئة "تتطلب تدخلا عاجلا"، وهو تدخّل اعتبره عدد من أهالي المنطقة مطلبا ذا أولوية قصوى، معربين عن أملهم في أن يجد هذا المطلب صدى لدى السلط المعنية، خاصة وأن الطريق مبرمجة منذ سنوات واعتماداتها مرصودة، وليس هناك من سبب لإطالة أمد الانتظار وتأجيل تنفيذ هذا المشروع، على حدّ قولهم.
الحياة في منطقة "عين مدور" تسير بنسق عادي، على غرار سائر المناطق الريفية، فالأطفال في مدرستهم الابتدائية، التي تتربّع وسط الجبل في شموخ لتنوير العقول ودحر الأمية، وبعض المواشي ترعى هنا وهناك، وامرأة في عقدها الخامس تعد "خبز الطابونة"، وأحد السكان يجمع الحطب لينتج منه فحما يبيعه ليتدفأ به الشاري ويحصل منه على دخل يعيله وأهله، وأحدهم يتفقد بيوت النحل ويقترب منها دون قناع متحديا النحل المتحفز ولسعاته المؤلمة...
هؤلاء، جميعهم... يعيشون حياة الأرياف البسيطة العادية.. حياة تتراءى ملامح شظفها ومشقتها، في تضاريس خطتها قسوة الطبيعة والظروف على وجوه الأهالي، وتتراءى في نظرات رجال ونساء وأطفال مشوبة بمسحة حزن لا تخطئها العين.. كمدا على تهميش طال أمده، وفقر كالح غادر، يتوقون لتخفيف وطأته وكسر أغلاله..
وأملا في تغيير ينحو بحياتهم باتجاه حياة أفضل وأكرم، ترى ابنة المنطقة، سعيدة السويسي، في حديث ل"وات"، أن الحل لسكان منطقة "عين مدور" يتمثل في توفير منطقة سقوية يتمكن من خلالها سكان الجبل من العمل في أراضيهم القريبة، دون أن يضطروا لركوب "سيارات الموت" التي تنقل النساء العاملات في القطاع الفلاحي إلى أماكن بعيدة في ظروف تهدد حياتهن وتمس من كرامتهن، وكي يضمن السكان موارد رزق قارّة.
وتمضي سعيدة قائلة: "ليس هناك أفضل للأهالي من فلاحة تؤمن حياتهم وتوطّد علاقتهم بأرضهم، وترجع إلى أحضانهم أبناءهم الشباب الذين يغادرون المنطقة ولا يزورونها الاّ في مناسبات تعد على أصابع اليد الواحدة خلال السنة"، مضيفة أن أغلب المنازل في "عين مدور" هجرها ساكنوها، ولا يعمّر المنطقة إلا عدد من كبار السن أو الأطفال الصغار، أمّا الشباب فقد هجروا المنطقة بحثا عن مواطن الشغل والعمل في ولايات أخرى.
وتتلقف الخالة أم هاني سيل الكلام، لتقول بنبرة عامرة بمشاعر الحزن والغضب، وهي ترمق جبل مغيلة بنظرة منطوقها العتب واللوم: "لقد زادت أوجاعنا بفراق فلذات أكبادنا، وكأنّ الجبل يطردنا بعد أن كان ملجأنا واحتضننا لسنوات عشنا فيه معزولين ومنسيين ومهمشين ومقصيين، دون أن نهتم للعالم الخارجي"..
إلى ذلك، اعتبر عدد من سكّان منطقة "عين مدور" ممن تحدثوا ل"وات"، أنّ تصنيف جبل مغيلة منطقة عسكرية مغلقة، مثّل مشكلا كبيرا بالنسبة إليهم، لأن الجبل يعتبر "ثروة سكان الجبل"، ومنعهم من دخوله "إشكال كبير أجبرهم على عيش حياة الفقر في أبشع حالاته، إذ أصبحوا عاطلين عن العمل، وحرموا من جلب الحطب وتجميع الزقوقو وتقطير الزيوت (زيت الإكليل/زيت القظوم)، وتجميع علف المواشي وتوفير المرعى".
وطالب أهالي "عين مدور" بإيصال النقل المدرسي إلى منطقتهم وتقريبه لأن أبناءهم يعانون الأمرين للوصول إلى منازلهم، خاصة خلال فصل الشتاء، حيث تتضاعف معاناتهم في الطريق الرابطة بين المدرسة و"الدوار"، الذي يمتد على مسافة تفوق الكيلومتر. وأكدوا أن هذه الطريق ذات المنعرجات الخطيرة، تتطلب تدخلا عاجلا، من أجل فك عزلة حوالي 50 عائلة تتوزع منازلها على مرتفعات ومنخفضات حادة ووعرة. واستنكروا، في هذا الخصوص، ما تعرضوا إليه خلال عديد السنوات من ممطالة من قبل السلط المعنية، إذ تلقوا وعودا كثيرة بتهيئة هذا المسلك، لكن دون جدوى.
وقد تعهد والي سيدي بوزيد، محمد صدقي بوعون، في تصريح ل"وات"، بإدراج تهيئة المسلك الرابط بين مدرسة "عين مدور" ومنطقة تواجد السكان ضمن البرنامج الجهوي للتنمية 2020.
وأفاد الوالي كذلك بأن وزارة الدفاع الوطني خصصت، في إطار البرامج الخصوصية التي تتدخل فيها مختلف الوزارات للإحاطة بسكان المناطق الجبلية المهددة بالإرهاب، اعتمادات قدرها 7 ملايين دينار لإنجاز مسلك طوله 25 كلم يربط بين ولاية القصرين وجبل مغيلة، موضحا أن المقاول هو حاليا بصدد إنجاز المسافة مرجع النظر بولاية القصرين.
وأضاف بوعون أن وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، قامت بدورها، بتوفير اعتمادات تقدر ب100 ألف دينار لفائدة 25 امرأة في إطار برنامج العائل الوحيد، لإحداث موارد الرزق، وتعهدت بعدد من الوضعيات الخاصة، مثل حالات العلاج وإرجاع بعض المنقطعين عن الدراسة لمزاولة تعليمهم.
وفي علاقة بدوار "السلاطنية" غير البعيد عن منطقة "عين مدور"، ذكر الوالي أنه تمت برمجة بناء فضاء للأسرة بكلفة مليوني (2) دينار، وأن المشروع حاليا في طور تخصيص العقار، مع الإحاطة بعائلة الشهيدين السلطاني ببناء وتحسين السكن وإحداث موارد رزق، كما تكفل المركز المندمج للشباب والطفولة ببعض التلاميذ من إقامة ومصاريف بالتنسيق مع مندوب حماية الطفولة.
وأوضح أن عدة مناطق من عمادة "سلتة" تتمتع ببرنامج التصرف في المشاهد الممول من البنك الدولي للانشاء والتعمير، والذي يتكون من 3 عناصر، وهي غراسة 500 هكتار من الزيتون بمناطق حبلان والرحيمي والمرازيق في الوحدة المشهدية بسلتة زغمار، والمقاول حاليا بصدد إنجاز الحفر للانطلاق في غراسة أصول الزيتون، كما تواصل بعض اللجان إعداد كراس شروط لإنجاز 13 كيلومترا من المسالك الفلاحية، وإعداد كراس الشروط لانجاز 500 هكتار في مجال عنصر المحافظة على المياه والتربة.
وأشار إلى أنه في إطار البرنامج الجهوي للتنمية، تم التدخل في المناطق المتاخمة للجبال، لتحسين السكن لفائدة 42 عائلة من معتمدية السبالة، و32 عائلة من معتمدية جلمة باعتمادات جملية قدرها 200 ألف دينار.
كوثر
إرسال تعليق