كلمات على باب القمر//عنوان اخر للحياة.بقلم زهرة الظاهري

 كلمات على باب القمر








عنوان اخر للحياة


بقلم زهرة الظاهري



كفراشة منطلقة ، روحها المفعمة بالحياة .. هكذا دأبت منذ صباها تبحث لها عن مناطق الضوء وسط العتمة وتطير إليها .. حياتها المليئة بالمربكات كانت تترصدها منذ طفولتها كلعنة تلاحق كل خطواتها.. تتجهم عبارات وجهها ، تذوي روحها المتقدة ، تنتكس إلى حين غير أنها تنطلق مجددا تستجدي كل مكامن القوة بداخلها وتبدأ من جديد .. حياتها الحافلة بالصراعات منذ البدء كانت تربكها ، تقتل رغبتها في الأشياء الجميلة التي كانت تتوق إليها فتهجر واقعها وتلوذ بالحلم وخيالها المجنح.. طاقتها الكبيرة على الإيغال في مسارب أخرى شاحذة كل مخيلتها لبلوغها كانت سبيلها الوحيد حين تعدم أمامها كل السبل الحقيقية .. لم تكن تحلم بأشياء كبيرة.. كانت أحلامها صغيرة جدا ورغم ذلك كانت عصية عليها . كانت تحلم بأن تمشي تحت المطر وأن تسافر بعيدا وأن ترتاد دور المسارح والسينما وأن تحضر فعاليات ثقافية تحررها من قيود الواقع المزري وأن تفعل أشياء بسيطة تروق لمزاجها فتنتشي.. لم تكن مطالبها كثيرة لتشعر بأنها تحيا وأنها تمتلك مقاليد السعادة.. غير أنها كانت دائما ومنذ طفولتها تجابه بالقمع والصد وتنعت بالمارقة والخارجة عن النظام.. عولت كثيرا على عزيمتها وقدرتها على المواجهة وتخطي المصاعب ونجحت إلى حين . قاومت واستبسلت حتى اقتنع الأهل والعائلة بأنها ماخلقت الا لتكون ثائرة ومختلفة فأرخوا لها العنان وتغاضوا عن بعض تصرفاتها التي كانوا يرونها خروجا عن قوانينهم وكانت تراها حريتها التي تكبلها أفكارهم وعقدهم .. حين أصبحت شابة يافعة وجميلة ، حامت حولها عيون الرجال والنساء والشباب .. كل يريدها زوجة لابنه وكل يمنّي النّفس بأن يحظى بها امرأة كاملة مكتملة تشاركه حياته ويكمل ماتبقىّ من العمر معها .. وتزوجت .. كيف حدث ذلك ؟ تماما كما يحدث لكل الفتيات أمثالها ؛ دخل حياتها رجل يقول بأنه يحبها وأنه جدير بأن يعيش معها الحياة التي ترتضيها . رجل أوهمها أنه ليس صعب المراس كأبيها ولا متطلبا كأخيها . رجل سيحفظ كرامتها ويضمن لها سعادة لم تكن تحلم بها و يعيش معها كل أشيائها الصغيرة.. لماذا تغير ؟ لم بقيت كل تلك الوعود مجرد كلمات تناثرت في الهواء بمجرد أن أطبق باب بيته عليها فأصبحت ملكا ل" سي السيد " حدثته عن أحلامها فسخر منها . ذكرته بوعوده فمااكترث . قاومت وتشنجت وصاحت في وجهه فلعنها وقال عنها بأنها سليطة اللسان ومتجاوزة للخطوط الحمراء.. حين شكت أمرها لمن لمست فيه أنه سيكون نصيرها قوبلت شكواها بالنفور وألبسوها قوانينهم المعهودة . أخبروها بأن المرأة الحقيقية هي التي تطيع زوجها وتخدمه بعينيها ولا تطلب مقابلا . أفهموها أن الرجال كلهم سواسية مافتئوا يفتنون المرأة بغير حقيقتهم لقضاء مآربهم لتكشف الأيام بعد ذلك زيفهم وبشاعتهم . حين جاء الأولاد كرّست كل حياتها للسهر على راحتهم وراحت تنظر اليهم وهم يكبرون شيئا فشيئا أمام أعينها فتستشعر سعادة مختلفة وتنسى أمرها . لم يعد لها من بدّ سوى أن تحافظ على الطمأنينة داخل البيت حتى ينشأ أطفالها في كنف الهدوء والسكينة.. ومرّ العمر سريعا والجميع يتسلق سنين عمرها ليصل إلى هدفه المنشود .. و ذات يوم؛ انتبهت ابنتها لغياب الام وبحثت عنها في أنحاء البيت ولما يئست من العثور عليها ، أعلمت بقية أفراد الأسرة الذين تنبهوا لعدم وجود الأم لا في البيت ولا خارجه بحثوا في كل مكان عنها .. خرج الجيران والأهل والأقارب بعد أن علموا بأمر غيابها المستراب ليشاركوا رحلة البحث المستعصية .. كانت وقتها في مكان آخر وزمان اخر تطارد حلمها الأول..


** كاتبة وشاعرة تونسية في رصيدها مجموعة من الاعمال المنشورة في الرواية والشعر

comments

أحدث أقدم