كلمــــــــــة وفــــاء
صالون الصريح
أربعون يوما على وفاة الأستاذ المربي محمد الحرشاني
إنما المرء حديث بعده...
بقلم : محمود الحرشاني
الكاتب محمود الحرشاني
الاستاذ الراحل المربي محمد الحرشاني
مرت أربعون يوما على وفاة المربي الأستاذ محمد الحرشاني أحد أساتذة مادة العلوم الطبيعية المشهود لهم بالكفاءة، على امتداد حوالي أربعين سنة قضاها في مجال التدريس بالمعاهد الثانوية في كل من مدنين وسيدي بوزيد وبعدد من المعاهد في جمهورية موريطانيا لما أوفدته وكالة التعاون الفني للعمل هناك لمدة خمس سنوات... وبقطع النظر عن العلاقة الدموية التي تربطني بالراحل العزيز باعتباره عمي، وهو في مقام والدي الذي أدين له بتكويني وتعليمي وتنشئتي التنشئة الصالحة إن شاء الله، حتى أن العديدين من أصدقائنا يعتبراننا شقيقين وهو ما يزيد في اعتزازي برابطة الدم التي تجمعني به. فإنني أريد أن أقول فيه اليوم كلمة حق، عجزت عن قولها من هول الصدمة وتأثيرها عليّ، لما توفاه الله في 25 جانفي الماضي إثر مرض عضال ألمّ به.. لم تطاوعني الكلمات وقتها على أن أقول فيه كلمة واحدة.. فقد فقدت بفقده آخر سند لي في هذه الدنيا، وهو الذي وقف دوما إلى جانبي، ولم يعتبرني ابن أخيه فقط بل اعتبرني أحد أبنائه أو شقيقه، يبوح لي بأسراره وأبوح له بأسراري.. ويسندني وأسنده، وأبناؤه هم أبنائي وهم يعتبرونني عمّهم وليس ابن عمّهم.
تخرّج الفقيد أستاذا في مادة العلوم الطبيعية سنة 1973 وعمل أوّل مرّة بالمعهد الثانوي بمدنين لمدة خمس سنوات وكان مثال الحزم والنشاط والجدية، ويشهد له بهذا تلامذته. وهي مناسبة أشكر فيها باسم العائلة كل الذين أبرقوا لنا من تلامذته في ولاية مدنين، عندما علموا بوفاته مستحضرين ذكره الطيّب.. ثم انتقل إلى التدريس بعد ذلك بالمعهد الثانوي بسيدي بوزيدq لمدة ثلاث سنوات قبل أن يلتحق بموريطانيا للعمل بها في نطاق التعاون الفني لمدة خمس سنوات، وعمل بعديد مدنها وولاياتها مثل أتار ونواقشط العاصمة. ولما عاد إلى تونس عاد مرة أخرى إلى التدريس بالمعهد الثانوي بسيدي بوزيد، وشغل لمدة سنة خطة ناظر بنفس المعهد ولكنه لم يستسغ العمل الإداري، وقال لي أن مكانه الطبيعي في الفصل بين تلامذته فعاد إلى التدريس مرة أخرى قبل أن يكلّف قبل تقاعده بحوالي خمس سنوات بمهمة التوجيه والإعلام المدرسي بالإدارة الجهوية للتعليم بسيدي بوزيد، وهي مهمة أحبها وأعطاها كل جهده.
وبالإضافة إلى حلقات التكوين والتوجيه التي كانت تجمعه بالتلاميذ في القسم، كان الناجحون الجدد في شهادة الباكالوريا يأتونه إلى بيته، ويقضي معهم الساعات الطوال ليساعدهم على اختيار أفضل الشعب التي تلائم مؤهلاتهم مجانا. وكان لا يملّ من ذلك أبدا.. بل يجد فيه متعة.. وكنت أقصد بيته للسهر رفقة أفراد عائلتي، فأجده منهمكا في توجيه التلاميذ فيقول لي لا تقلق... سآتي بعد لحظات.. وتتحول هذه اللحظات إلى ساعات... وأحيانا أغادر بيته وهو ما زال منهمكا في مساعدة بعض التلاميذ الذين جاؤوه لطلب المساعدة....
كان الفقيد محبّا للعلم.. وقد كان حريصا على نجاح أبنائه والحمد لله، تخرّج ثلاثة من أبنائه برتبة مهندس وتخرجت إحدى بناته طبيبة والصغرى صيدلانية. وكان يمنّي النفس بالحصول على وسام الاستحقاق التربوي لأنه يعتبره من حقه.. ولكن لأسباب كثيرة حرم منه وعوّضه الله خيرا منه بحصوله على وسام الجمهورية كما تمّ تكريمه من قبل منظمة التربية والأسرة وودادية المكلفين بالإرشاد والإعلام المدرسي وقد فرح بهذا التكريم كثيرا، ورغم أنه كان مريضا فقد تنقل إلى تونس لحضور حفل التكريم هذا.
كان رحمه الله فخورا بنجاحي في الصحافة والأدب فخره لنجاح أبنائه في درساتهم.. وكان سعيدا في كل مرة أكون فيها أنا محل تكريم أو تتويج وطني أو عربي، ويقول لي مزهوا أن تكريمك أو تتويجك أنت هو تكريم وتتويج لي قبل أن يكون لك أنت. لقد ترك فينا بعد وفاته ما نعتز به، وهي ذكره الطيب وسمعته كأستاذ متفان في القيام بواجبه إلى آخر يوم في حياته.. ولا أدل على ذلك من الحشود الغفيرة التي حضرت جنازته ودفنه من أصدقائه وزملائه المربين والأساتذة وتلامذته.. ومن سيل البرقيات والمكالمات الهاتفية التي اتصلنا بها لتقديم التعازي لمّا وافاه الأجل المحتوم.
إرسال تعليق