قراءة متأنية في كتاب «فيض الوجدان» للكاتب والصحفي محمود الحرشاني
بقلم أحلام عمارة فرحاني
ت
انفردت به في زاوية الغرفة وقررت أن اسلم له نفسي وفكري وتركيزي... قلبته مجددا بين يديّ، أثارني عنوانه وأعجبتني طبعته الأنيقة وانبثقت من جديد رغبتي في التهام صفحاته التي تجاوزت المائة والعشرون إنه كتاب «فيض الوجدان» لصاحبه الصحفي محمود الحرشاني باعث مجلة مرآة الوسط ومؤسس مهرجان مرآة الوسط الثقافي والأدبي بسيدي بوزيد وسلسلة كتاب مرآة الوسط.
فيض الوجدان، مراوحة بين المقالات ذات الطابع الأدبي والسياسي ترجمت مثابرة وجهد كاتبه ولخصت مدى تعلق الكاتب وانصهاره في القضايا الوطنية وحب تونس عانق الفضاء بحاضرها وتجذره في ربوع الوطن بأصالته.
ولان تونس ارض الحوار والتواصل ولان هذه الخاصية بعيدة كل البعد عن الشعارات الخاوية ولان تونس داعية لمبدأ تقبل الأخر مهما كان انتماءه فإنها لا تفوت أي حدث دون الدعوة لهذا المبدإ حتى أنها تنظم المؤتمر تلو الأخر لأجل تفعيل مثل هذه المناسبات وقد قام الكاتب بمتابعة هذه الأنشطة ومنها تغطية «الندوة السنوية الثانية لجريدة الحرية» تبحث من خلالها موضوع «الإعلام وحوار الحضارات»، ورصد وقائع هذه الندوة وتوزع أعمالها وجلساتها العلمية، كما عدد كاتب المقال المشاركات العربية والتونسية التي ناقشت دور الإعلام بوسائله المختلفة سواء المكتوبة أو المرئية أو السمعية في تغيير نظرة الغرب إلى العرب وسبل تحسين صورته وإرساء منظومة حوار جديدة تقوم على أساس الاحترام المتبادل لا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي صدعت العلاقة بين العالمين. وفي هذا المقال نقل كامل للتدخلات في هذه الندوة واستعراض للمحاضرات التي لم تخل من دعم التوجه التونسي في دعم الإعلام تونسيا وعربيا لإرساء الحوار الحضاري مع كل الثقافات الأخرى.
لاشك وان تعميم الانترنات وتسهيل الإبحار فيها، أحلت في المجتمعات الحديثة اهتمامات واحتياجات لم تكن موجودة في السنوات القليلة الماضية حيث كانت للكتاب مكانة مميزة وحضور جامح وكان الإقبال على الكتب إقبالا واسعا ومزدهر، وأشار كاتب «فيض الوجدان» إلى التغير الواضح الذي مس بالمادة المكتوبة من ناحية تراجع الميل إليه لصالح كل ما هو الكتروني وبالتالي تغيرت أساليب نشر وطباعة الكتب من الطرق التقليدية المعروفة إلى ما يعرف بالكتاب الالكتروني، هذا الموضوع حظي بمتابعة وتدقيق من طرف صاحب الكتاب الذي أتى على الكثير من النقاط فوضحها وأشار إلى أسباب التحول والمتغيرات الحاصلة في مستوى تعامل المثقف والقارئ ودور النشر في طبيعة العلاقة التي قامت في فترة وجيزة جدا بينهم وبين الكتاب الورقي واتى على ايجابيات وسلبيات هذا الواقع الجديد، وفي هذا المقال من الإفادة الشيء الكثير.
أن النقلة النوعية التي شملت الميدان الثقافي بتونس لم يأت من فراغ، حيث لا يمكن لأحد أن ينكر الدعم الكبير الذي استفادت منه الثقافة عندما تدخل الجانب السياسي مما وضع علاقة متينة بينهما، وفي مقال بعنوان « هل تخرج الثقافة من الباب عندما تدخل السياسة من النافذة» نشر بجريدة الصريح التونسية بتاريخ سبعة سبتمبر 2009. استحضر الصحفي « محمود الحرشاني» بعض المواقف التي وقعت في مناسبات مختلفة في بلدان عربية مختلفة حين تمازج الحضور الثقافي بالتدخل السياسي، فتجلت في هذه الثنائية قدرة السياسة في تحريك السيرورة الثقافية في مناسبات تخصص لهذه الأخيرة ومن خلال ما عايشه هذا الصحفي من مواقف يتجلى لنا سحر السياسة في إنعاش المادة الإعلامية. وتميز هذا المقال بخفة وطرافة تدفعك لعيش الأحداث التي تحدث عنها الكاتب هنا.
تراوحت كتابات الصحفي « محمود الحرشاني» بين المتابعات الثقافية والسياسية والإعلامية بصورة عامة حتى شملت الجانب الشخصي لصاحب «مرآة الوسط» واطلعنا على بعض ذكريات ماضية خاصة عند سنواته أو بالأحرى عند بدايات خطاه في العمل الصحفي وكيف كان يعيش بداية الغرام بالصحافة مستعرضا الصعوبات التي واجهته.. وهو وان كان يسرد علينا بداياته فانه وبطريقة غير مباشرة يدعو من يستهوي هذا الميدان إلى ضرورة التحدي والتعب الذي ورغم ما يتحقق لصالح رجال الإعلام في ظل سيادة رشيدة ومثقفة فان نحت مسيرة صحفية ناجحة لا يتأتى من فراغ، فحتى الهواية وان وجدت تبقى في حاجة ملحة إلى صقل متواصل.
إرسال تعليق