هــــــواء طلق
من حق سيدي بوزيد أن تنعم بالتنمية
بقلم محمود الحرشاني
جمعني لقاء مطوّل مع عدد من شباب سيدي بوزيد في إحدى المقاهي، ورغم البداية المتشنّجة للّقاء، فقد انتهى ودّيا، بعد أن قدم كلّ طرف وجهة نظره، بعيدا عن التشنّج والصياح والصوت المرتفع... قال لي احد الشباب ... سيدي بوزيد قامت بالثورة وبقيت خمسة وعشرين يوما تواجه آلة القمع البوليسي وأرسل بن علي إلى سيدي بوزيد أكثر من أربعة ألاف عون أمن من مختلف الأصناف لإخماد الثورة الّتي انطلقت بعد أن أحرق البوعزيزي نفسه. ومع ذلك صمد أبناء سيدي بوزيد ولم يتخلّوا عن الثورة وكانوا مؤمنين برسالتهم لأنّ هذه الولاية عانت من الظلم والتهميش في كلّ العهود، فلا عهد بورقيبة أنصفها ولا عهد بن علي رغم أنّه أدّى زيارتين أو ثلاث لها أعطى لها ما تتطلّع إليه.
و لم يتحقّق في هذه الولاية أي انجاز كبير على غرار ما تحقّق في الجهات الأخرى.
وقال لي شاب أخر شباب سيدي بوزيد واجه آلة القمع بكلّ سبالة ولم يتراجع ... لأنّه ملّ الانتظار والتهميش. كان يوجد في كلّ عائلة ثلاثة أو أربعة بطالة من حاملي الشهادات العليا على الأقلّ ...لا أحد كان يلتفت إليهم أو يعتني بهم وسعى إلى اجاد حلول لمشاكل التشغيل والبطالة الّتي تفاقمت بشكل مريع... هل قامت الدولة بإحداث معامل لاستيعاب الشاب المعطّل عن العمل ... بل كانت هناك مظاهر استبلاه لأبناء الجهة... وكانت آلة التجمّع الدستوري الديمقراطي تزيّن الواقع وتزيّفه وتركزّ على بعض النّقاط الايجابية المحدودة.
وتدخّل شاب آخر وقال في نبرة طغى عليها الحماس كلّنا محمد البوعزيزي، لو لم يحرف محمد البوعزيزي نفسه احتجاجا على ما لحقه من ظلم وقهر، لأحرق كلّ شباب سيدي بوزيد نفسه... لأنّه كان يعاني من نفس حالة التهميش والمهانة... حتى الأعمال البسيطة لم تكن تحصّل عليها... والشاب المتخرّج من الجامعة بشهائد عليا كان يتعذّب كلّ يوم أمام ما يعانيه من تهميش وتفشّي الأمراض الاجتماعية الخطيرة مثل الرشوة في الكاباس والحصول على الوظائف الإدارية. وكان الإعلام يغض الطرف عن هذه المسائل والأمراض التي كانت تنخر المجتمع.
ولذلك قال لي شاب آخر في هدوء... ثار شباب سيدي بوزيد وثارت معه كل سيدي بوزيد وكنّا نمنّي بواقع أفضل... ولكن مع الأسف الوضع ضلّ على حاله... سيدي بوزيد الّتي انطلقت منها الثورة لم يتحقّق فيها أي مشروع جديد بعد الثورة... لذلك ازدادت موجة الغضب والاحتقان أنظر حولك... عدد البطّالين قد ازداد. لا وجود لمشاريع كبرى تستوعبهم... المستشفى الجهوي نريده أن يتحوّل إلى مستشفى جامعي وهو مطلب ثوري من مطالب أبناء سيدي بوزيد، ولكن هذا الطلب لم يتحقّق رغم أنّه يتصدّر أولوية اهتمامات أبناء الجهة... كذلك الوضع الفلاحي الّذي يحتاج إلى دفع قوي القروض أثقلت كاهل الفلاّحين والصبغة الدوّلية والاشتراكية لأغلب الأراضي مازالت تشكّل عائقا أمام سرعة التنمية لذلك قال لي شاب أخر تجد الشباب غاضب من تعاطي وسائل الإعلام من القضايا الحقيقة في سيدي بوزيد. لقد قمنا بثورة زلزلت العالم لم يجن منها أبناء سيدي بوزيد ثمارها مع الأسف بل ذهبت إلى أطراف أخرى لم تشارك في هذه الثورة من بعيد ولا من قريب...
كانت الساعة تشير إلى حوالي الحادية عشر ونصف صباحا... اعتذرت عن المجموعة الّتي كانت تجلس حوالي... وقلت لهم ... وعد سأبلغ أصواتكم بكلّ أمانة في هواء طلق.
*كاتب ومحلّل سياسي من تونس
ومدير جريدة قمر نيوز الالكترونية
إرسال تعليق