فابيولا بدوي
كاتبة واعلامية من مصر
معروف عنا نحن العرب أننا غالبا ما نكيل بمكيالين في الكثير من تفاصيل حياتنا، وأننا نحمل في أعماقنا، قدرا هائلا من الازدواجية، وأننا نتعامل مع هذه العيوب في تركيباتنا الشخصية باعتبارها شيء لا يجب أن نتوقف أمامه كثيرا ، بل العكس دائما ما نجد مبررات جاهزة لما نفعله أو نقوله مهما كان متناقضا. لكن ما يحدث مؤخرا خصوصا، في مصر وتونس ولن نستثني سوريا أيضا، فيما يخص وضع ومكانة المرأة لابد وأن يجعلنا نصطدم بذاتنا ونتأملها علنا نعي ما نحن فيه أو نسير باتجاهه. اليوم هو « عيد الأم » أغلى وأجمل الأعياد في حياة كل منا. لكننا نستقبله والأم يتم التطاول عليها علانية في كافة وسائل الاعلام الموجهة والمملوكة لتيارات بعينها لا لشيء سوى أنها إمرأة. أي احتفال اليوم ومنذ أيام قليلة صفعت أحد الأمهات على وجهها في مصر من قبل أحد المنتمين لهذه التيارات كونها تطالب بأبسط حقوقها في الكرامة والحرية ومدنية الدولة.
هل لنا أن نتخلى عن شيء من تناقضتنا أمام ما يحدث في كل من تونس ومصر وغيرهما من بلداننا العربية، من محاولات مستميتة لقهر المرأة وسلب حقوقها المكتسبة على مدى عقود مملوءة بالنضال؟ أليست المرأة التي يعتدى عليها في الأشهر الأخيرة بالتحرش والاغتصاب والضرب والقذف هي نفسها الأم التي نجلها ونحتفي بها اليوم؟ من منا يصدق أنها ذات المرأة التي أوصى بها رسول الله وقال عنها: إنما النساء شقائق الرجال ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم؟ إننا نستقبل اليوم « عيد الأم » بانكسار الحلم الذي حلمت به كل من تونس ومصر، خصوصا وأننا نعرف تماما أن هذه اللطمة التي تلقتها إمرأة خرجت من أجل حقها في الانسانية، ليست إهانة موجهة لها، بل للمجتمع بأكمله بكل قيمه وتراثه وعاداته وتقاليده التي نشأنا وتربينا عليها. أعلم أن هذه اللطمة قد ارتدت على الفور إلى وجه النفاق القبيح الذي بتنا نعايشه ليل نهار. كما أعرف أن لطم وجه أم وإمرأة مصرية في الطريق أمام مقر الحزب الحاكم ومن قبل أحد المنتمين لتياره، قد أصابت أيضا المرأة التونسية التي باتت تعاني مما نعانيه، وتخشى مما نخشاه، فلطالما كان بين الاثنتين قواسم مشتركة وجولات كثيرة خصوصا فيما يتعلق بحقوقهن. بل أن كلا المرأتين كانت ولازالت ترى في الأخرى مثالا لها وقدوة وأملا متجددا. مرارة كبيرة تشعر بها النساء في البلدين، ودهشة لا حد لها تعترينا جميعا، فالمصادفة غريبة جدا ففي الشهر الذي واكب يوم المرأة العالمي وعيد الأم، نشهد اكبر نسبة انتهاكات لها في منذ التغيرات السياسية التي حدثت في البلدين. وأنا لا اقصد بحديثي هذا أن المسألة مقصودة أو مرتبة، فهذه التيارات لا تعترف من الأساس بالمناسبتين. وفي حال اعترافها فان هذه اللطمة هي أفضل هدية لديهم للأم في عيدها. من قلب هذا الحزن الكبير الذي يحيط بنا، لازلت أحلم أنني سوف أحتفل بعيد الأم في العام القادم بمشاعر مختلفة تماما، وفي أوطان لا تهان ولا تضرب فيها النساء من الغرباء في الطريق العام، وتمر الواقعة مرور الكرام. لازلت واثقة في نساء هذا الوطن وفي قدرتهن على تأكيد حقوقهم في مجتمعات تحترم كرامتهن وتوقر أمهاتهن وتوفيهن قدرهن. كل عام وكل أم عربية في حال أفضل بكثير من هذا الحال.
******************
من كتاب جريدة قمر نيوز
|
شكرا الاستاذة فاريولا على هذه المساهمة التي تدشنين بها انضمامك الى اسرة قمر نيوز الموسعة
ردحذفإرسال تعليق